Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

مع الكتاب: ما معنى سلطانا في الآية الكريمة؟

 

﴿أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾

 

جاء في تفسير الطبري: يقول تعالى ذكره: أم أنـزلنا على هؤلاء الذين يشركون في عبادتنا الآلهة والأوثان كتابا بتصديق ما يقولون، وبحقيقة ما يفعلون ﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ يقول: فذلك الكتاب ينطق بصحة شركهم، وإنما يعني جلّ ثناؤه بذلك: أنه لم ينـزل بما يقولون ويفعلون كتابا، ولا أرسل به رسولا وإنما هو شيء افتعلوه واختلقوه؛ اتباعا منهم لأهوائهم.

 

لفتة من واقعنا في معنى الآية:

 

تجد اليوم وللأسف الكثير من المسلمين يجادلون بغير دليل ولا نص من كتاب أو سنة أو إجماع صحابة أو قياس شرعي، تجدهم يريدون إقناع الناس بأن حججهم وآراءهم وأقوالهم صحيحة كما لو أن عندهم دليلاً أو قرآناً أو سنة أو سنداً شرعياً بها، رغم أن أفعالهم أو أقوالهم أو حججهم أو آراءهم تناقض نص القرآن والسنة وإجماع الصحابة والقياس الشرعي.

 

ومن الأمثلة على ذلك لتبسيط الفهم: مفهوم الديمقراطية الذي يتمسك الكثيرون من المسلمين به ويدافعون عنه ويدعون الناس إليه، وكأن هذا المفهوم منزل في كتاب أو في حديث أو دليل شرعي معتبر! مع أن كل الأدلة التي جاءت في القرآن والسنة تناقض ما تقول به الديمقراطية.

 

ولا نقصد بالديمقراطية الشورى أو حق انتخاب الشعب للحاكم، ليس هذا هو المقصود بالديمقراطية. فانتخاب الشعب لحاكمه ومشورة الحاكم لرعيته هذان أمران يشترك فيهما معظم الدساتير غير الدكتاتورية في العالم، فهذان الأمران ليسا حكرا على النظام الديمقراطي وحده. ولكن المقصود بالديمقراطية كمفهوم سياسي للحكم أنها تعني حكم الشعب للشعب، بمعنى أن السيادة وحق التشريع هو للبشر وليس للخالق ولا للدين، بينما الإسلام يقول في الكتاب والسنة أن مصدر التشريع هو الوحي وفقط الوحي، فلا يجوز للبشر أن يشرعوا من عند أنفسهم ولو كان بأغلبية ساحقة.

 

ورغم هذا التناقض الصارخ بين الديمقراطية كنظام سياسي يعطي حق التشريع للناس، وبين الإسلام الذي يحرم على الناس التشريع ويطالبهم بالتزام التشريع من الكتاب والسنة وما أرشدا إليهما من إجماع صحابة وقياس شرعي، نقول رغم كل هذا التناقض بين النظام الديمقراطي والنظام الإسلامي إلا أن الكثير من المسلمين يتمسكون بالديمقراطية كما لو أن الأدلة في القرآن والسنة لا تناقضها ولا تعارضها! وكأن المتمسكين بالديمقراطية من المسلمين عندهم كتاب منزل من عند الله يأمرهم بالتمسك بها وعدم تركها رغم مناقضتها ومخالفتها للإسلام!

 

هذا غيض من فيض وقطرة من بحر من الأمور التي يحملها الكثير من المسلمين من آراء وأفكار تعارض الإسلام ويعاندون ويتشددون في التزامهم بهذه الأفكار رغم مخالفتها الصريحة والواضحة لجوهر دين الله!

إن هذا العناد والتمسك بالباطل هو من الأمور التي تذمها هذه الآية الكريمة في سورة الروم، فقبل أن يتمسك المسلم بفكرة معينة أو رأي معين عليه أن يفهم معناه أولا وعليه أن يكون لديه دليل وسند من كتاب الله أو سنة نبيه أو إجماع الصحابة أو القياس الشرعي، فبدون دليل أو شبهة دليل يكون التمسك بالأفكار والآراء والقيام بالأعمال أمراً مذموماً ومرفوضاً شرعا وعقلا. أما شرعا فلأن هذا يخالف الطريقة الشرعية في تبني المسلم للأحكام والآراء، فبدون دليل يحرم القيام بالأعمال لأن الأصل في الأعمال التقيد بالحكم الشرعي، وأما عقلا فلأن فهم واقع الأفكار والآراء هو جزء مهم لمعرفة إن كانت هذه الأفكار تخالف شيئا مما جاء به نبي الله ﷺ عن ربه عز وجل أو لا تخالف.

 

ولقد جاءت آيات كثيرة وأحاديث كثيرة في هذا الصدد أيضا لا يمكن ذكرها كلها في هذا المقام ولكن نذكر منها قوله تعالى في سورة الحج: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾، وقول النبي ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».

 

ولذا على المسلم أن يحذر أن يتمسك برأي أو يحمل فكرا دون دليل أو دون فهم واقع هذا الفكر أو ذلك الرأي، لأنه ببساطة تمسك بالهوى وحيْدٌ عن طريق الإسلام في اتباع وتبني الآراء والأفكار، وهذا هو طريق الزيغ عن الحق والضلال كل الضلال والعياذ بالله.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. فرج ممدوح

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.