- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
حمل الدعوة وأمانة التغيير
تعيش أمة الإسلام في واقع أليم، تمزقها الأزمات من كل جانب، وتثقلها التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية للغرب المستعمر. بلادها مقسمة، ثرواتها منهوبة، دماؤها مستباحة، مقدساتها مدنسة، وشعوبها رازحة تحت حكم أنظمة جائرة خائنة، تحكم بالكفر، وتحرس مصالح الاستعمار وتطبق مشاريعه. وفي خضم هذا الواقع، ينهض حملة الدعوة بأمانة عظيمة، إذ لا يكفي أن يشخصوا الداء، بل الواجب أن يقدموا للأمة الدواء، وأن يدلوها على طريق الخلاص الحق، وهو طريق الإسلام ومشروعه الحضاري السياسي الكامل المتمثل في الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
حامل الدعوة ليس مصلحاً فردياً فحسب، ولا واعظاً دينياً يكتفي بتذكير الناس بمكارم الأخلاق أو الطاعات الفردية، وإنما هو رجل دولة يحمل مشروعا سياسيا عمليا، يرى في الإسلام نظام حياة ودولة ومجتمع، ويستشعر ثقل قوله تعالى ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾. إن الخير الذي يأمر الله بحمله هنا هو الإسلام كله، عقيدةً ونظاماً ومنهجاً للحياة. فلا يقبل من حامل الدعوة أن يحصر دعوته في الإصلاح الجزئي أو التخفيف من وطأة الواقع، وإنما يجب أن تكون دعوته لإيجاد النهضة الحقيقية على أساس العقيدة الإسلامية، بإقامة دولة تطبق الإسلام وتحمله رسالةً إلى العالم.
ومن هنا، فإن المسؤولية الكبرى على حامل الدعوة في هذا الزمن تتجلى في:
1- كشف مؤامرات الاستعمار وأدواته من الحكام والأنظمة والمنظمات الدولية التي تحكم قبضتها على الأمة، وتعريتها أمام الجماهير.
2- ربط الأمة بدينها وربط وعيها بالإسلام وعقيدته السياسية العملية، بحيث تدرك أن الخلاص لا يكون إلا بتحكيم الإسلام كله بكل أنظمته وأحكامه ومعالجاته في الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع.
3- حمل الأمة على الثقة بنفسها وبقدرتها على التغيير، وتخليصها من عقدة النقص أمام حضارة الغرب المادية الزائفة.
4- تثبيت معاني الولاء والبراء في قلوب المسلمين، بأن ولاءهم لله ورسوله والمؤمنين، وعداءهم لأعداء الإسلام مهما تلونوا بشعارات الديمقراطية أو الإنسانية.
5- إعداد الأمة لحمل مشروع الإسلام عبر التثقيف المكثف والوعي الحقيقي، حتى تصبح قادرة على تبني هذا المشروع والانخراط في الصراع السياسي لإيجاده.
إن الصراع اليوم ليس صراعاً على الحدود أو الموارد فحسب، بل هو صراع حضاري عقدي في جوهره، بين الإسلام بوصفه رسالة ربانية وبين الحضارة الغربية القائمة على فصل الدين عن الحياة، وما تفرع عنها من أنظمة الديمقراطية والرأسمالية والليبرالية، وهذه الأزمات التي تعاني منها الأمة؛ من فقر وبطالة وديون خانقة، ومن قمع وظلم واستبداد، ومن غزو ثقافي وتشويه للإسلام، كلها ليست سوى أعراض لمرض واحد، هو غياب حكم الإسلام من واقع المسلمين، وإقصاء الإسلام عن أنظمة الحكم. فالأنظمة الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين، على اختلاف أشكالها وشعاراتها، تحكم بالقوانين الوضعية، ولا تتحرك إلا بتوجيهات الغرب، ولا ترى في الإسلام إلا شعارات للاستهلاك المحلي وخداع الناس كما يفعل الجولاني في سوريا وأردوغان في تركيا.
ومن هنا، فإن واجب حمل الدعوة أن يركز الأمة على جذر المشكلة، وألا يشتتها في البحث عن حلول ترقيعية أو إصلاحات جزئية. فما لم تعد السيادة للشرع، وتقام الدولة التي تحكم بما أنزل الله، سيظل الغرب ممسكاً برقاب الأمة.
إن على حامل الدعوة في هذا العصر أن يعي أنه يقوم بمقام عظيم يشبه مقام الأنبياء في دعوتهم إلى التغيير الجذري، قال تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا﴾، فلا بد أن يتحلى حامل الدعوة بالصفات التالية:
الثبات على الحق مهما واجه من تضييق أو سجون أو تشويه إعلامي.
الصبر على البلاء مع اليقين بأن النصر بيد الله عز وجل، وأنه سبحانه وعد بالاستخلاف والتمكين لعباده المؤمنين العاملين.
الوعي الحقيقي بأحكام الإسلام السياسية، بحيث لا ينخدع بمشاريع الغرب ولا ينزلق في حلول وسطية.
القدرة على قيادة الأمة بالفكر، لا بالعاطفة وحدها، وذلك بتقديم مشروع عملي واضح هو مشروع الخلافة الراشدة.
الإخلاص لله عز وجل، فلا يطلب منصباً ولا جاهاً ولا مدحاً، وإنما يعمل لإرضاء الله وإقامة دينه في الأرض.
إن الأمة ليست جمهوراً سلبياً يتلقى الأفكار فقط، بل هي المخاطب الأول بالعمل لإقامة دولة الإسلام التي تطبق أحكامه وتحمله إلى العالم، وحامل الدعوة لا يعمل بديلاً عن الأمة، بل يعمل في صفوفها وبين أبنائها ليحملهم على تبني المشروع الإسلامي. وهذا يقتضي:
1- إيجاد الرأي العام الواعي على الإسلام، أي أن تصبح لدى الأمة قناعة فكرية وشعورية بأن الإسلام وحده هو الحل.
2- تحريك الأمة لإسقاط الأنظمة، وفضح خيانتها، وبيان أنها العقبة الكبرى أمام نهضة الأمة.
3- نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة التي تربي الأمة على الانضباط بأحكام الشرع، وعلى رفض كل فكر دخيل.
4- بناء جسور الثقة بين الأمة وحملة الدعوة، حتى تتبنى الأمة مشروعهم وتلتف حولهم.
إن حمل الدعوة لا يكتمل إلا بتفاعل الأمة مع حامل الدعوة، فالأمة هي صاحبة القوة والقدرة العددية، وهي التي ستحتضن الدولة عند قيامها، وهي التي ستدافع عنها وتبسط سلطانها.
لقد بين الشرع أن طريق التمكين لا يكون عبر صناديق الديمقراطية ولا عبر الاستجداء من القوى الكبرى، بل يكون باتباع طريقة الرسول ﷺ في التغيير، بدءا بالتثقيف العميق للأفراد لتكوين كتلة تجسد فيها الإسلام وصار قضيتها المصيرية، والتفاعل مع الأمة لإيجاد رأي عام واعٍ على الإسلام ومشروعه، تزامنا مع طلب النصرة من أهل القوة والمنعة في الأمة، حتى يسلموا الحكم للمخلصين من أبناء الأمة الواعين على مشروع الإسلام الحضاري والقادرين على تطبيقه وإقامة دولته. هذه هي الطريقة التي سار عليها الرسول ﷺ حتى أقام دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة، وهي نفسها الطريقة الواجب اتباعها اليوم.
أيها المخلصون في جيوش الأمة عامة، وفي جيش الكنانة خاصة: إنكم أنتم أهل القوة والمنعة الذين خاطبكم الشرع لتكونوا أنصار الحق وحماة الدين. وإن أعظم خيانة ترتكب بحق الله ورسوله ودينه والأمة، هي أن تبقوا سلاحكم مسخراً لحماية أنظمة خائنة، تسلم البلاد والعباد إلى عدو الأمة، وتحرس حدود سايكس بيكو، وتحاصر غزة، وتمنع النصرة عن فلسطين، وتستعبد شعوبكم في خدمة المستعمر.
أما آن لكم أن تنحازوا إلى أمتكم وتتبرؤوا من الحكام الذين باعوا دينهم وبلادهم وأمتهم؟ أما آن لكم أن ترفعوا أسلحتكم نصرة لدين الله، فتنصروا العاملين المخلصين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وتعيدوا للأمة عزتها وكرامتها؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ﴾.
إن الأمة اليوم تناديكم، والمسجد الأقصى يستغيث بكم، ودماء الشهداء تصرخ في وجوهكم، فلا تكونوا عوناً للظالمين، بل كونوا كما كان الأنصار حين لبوا نداء رسول الله ﷺ، فأقام بهم دولة الإسلام الأولى.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمود الليثي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر