- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مع اقتراب إعلان قيام دولة الخلافة
حيوية الأمة الإسلامية بمبدئها وتاريخها الحافل بالوفرة السكانية يؤهلها لصدارة الأمم
تلعب مراكز الدراسات الغربية عن الشرق، أي المسلمين، المعروفة بالاستشراق - منذ نشأتها - دوراً رئيسياً في صنع سياسة الدول الغربية، بغية استشراف المستقبل، ورسم الخطط لمواجهة مجرياته. تتضمن أبحاث مراكز الدراسات تلك، الوقوف على أحوال المسلمين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حول العالم، ووضعها تحت المجهر من أجل التأثير فيها لصالح سياسات الدول الغربية. فقد شهد بزوغ الألفية الميلادية الثالثة إجراء مراكز الدراسات والأبحاث استطلاعات عن رغبة المسلمين من عدمها في تطبيق الشريعة الإسلامية مكان الأنظمة الغربية المطبّقة عليهم في بلدانهم، وذهول الغربيين بنتائج تلك الدراسات، برغبة المسلمين الجامحة في إعادة تطبيق نظام الإسلام في حياتهم، في جميع الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية... الخ ما دفع تلك المراكز، إلى إجراء مزيد من الدراسات، لاستيضاح أمر عودة المسلمين على ما كانوا عليه قبل عام 1342هـ-1924م!
في مقالنا هذا، سوف نتطرق إلى الحديث عن الجوانب الاجتماعية الإحصائية السكانية المتعلقة بالمسلمين، التي تجريها مراكز الدراسات الغربية، وترتبط هذه الإحصائيات السكانية ارتباطاً وثيقاً بالجوانب السياسية والاقتصادية، ولا يمكن فصلها عنها.
مع مطلع الألفية الثالثة للميلاد، ووضع الحزب الجمهوري الأمريكي، مشروع القرن الأمريكي الجديد، الذي يهدف للسيطرة الأمريكية على خيرات العالم، وإبعاد المنافسين الحاليين "أوروبا والصين"، والمنافس المستقبلي "دولة الخلافة" مع احتفاظ أمريكا بفجوة كافية مع المنافسين، تضمن لها استمرار سيطرتها، قامت مؤسسة الدراسات الأمريكية "راند" بدراسة قامت خلالها بتقسيم المسلمين وتهيئتهم لمواجهة بعضهم بعضاً. ولكن لم تستطع الإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال ربع قرن، من إحراز تقدم فيه، ما جعلها تصدر إحصائيات سكانية جديدة، أبرزت خلالها العلمانيين "فاصلي الدين عن الحياة" من أبناء المسلمين، بغية إحداث شروخ وندوب جديدة في الأمة الإسلامية، وكمبادرة لمنعها من اقتعاد دور الريادة، من خلال إقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
إن الأمة الإسلامية حيوية بطبيعتها، من حيث تبدأ من وجهة نظر المبدأ الصحيحة عن الكون والإنسان والحياة، بأنها جميعها مخلوقة لخالق خلقها وهو الله تعالى، وجعل لها نظاماً ينبغي أن تسير عليه. والإنسان هو المكلف بالحفاظ عليه، دون سائر المخلوقات، من خلال الحفاظ على الإشباع الصحيح لغريزة حفظ النوع الإنساني لدى رعايا الدولة الإسلامية، وفق النظام الاجتماعي في الإسلام، عن طريق الزواج، وإشاعته وتيسيره. فهو من جهة يشيع الطمأنينة في المجتمع، كما أن تعدد الزوجات يزيد من تعداد السكان ويقلل من مظاهر العنوسة والعزوف عن الزواج، ويمنع الزنا ويحاربه، ويقلل من انتشار الأمراض الجنسية بين أفراد المجتمع. إلى جانب وجود الرعاية الصحية المجانية للجميع. فالنمو والزيادة السكانية المستمرة هي علامة صحة للأمة، والعكس بالعكس تماماً، فانخفاض عدد السكان وتفشي الأمراض بين أفراد المجتمع وتدهور صحتهم علامة من علامات انحطاط الأمم. كما يلعب دخول شعوب جديدة في الإسلام، دوراً إضافياً في ازدياد النمو السكاني بشكل طبيعي، ويرفد الأمة الإسلامية بدماء جديدة، تشارك في ازدهارها.
تشهد أعداد المسلمين حول العالم تزايداً، يتزامن مع تزايد أعداد الداخلين في الإسلام، في الوقت الذي يشهد الغرب تراجعاً سكانياً في عمومه، ما يجعل المسلمين يتصدرون التعداد السكاني على الكرة الأرضية. مع وجود برامج الإحصاء وخوارزميات برامج الحواسيب وانتشار برامج مساعدات المنظمات في طول وعرض بلاد المسلمين، إلى جانب مؤتمرات السكان حول العالم، استطاع الغرب أن يحصل على إحصائيات وتقديرات مقاربة لتعداد المسلمين حول العالم. الآن سكان العالم الثالث خمسة أضعاف العالم الأول، أي سكان الغرب، وفي 2050 سيكون عشرة أضعاف. لهذا لجأوا إلى مشروع الاستنساخ، وحضانات حمل الأجنة خارج الأرحام، لكنها لم تُجْدِ نفعاً.
إن سكان آسيا الوسطى "أفغانستان، أوزبيكستان، طاجيكستان، قرغيزستان، تركمانستان، كازاخستان" يلامس الآن 180 مليون نسمة. وفي غضون 25 عاماً سيساوون سكان روسيا. وسيساوي سكان تركيا وحدها سكان روسيا، وسيقترب سكان إيران من سكان روسيا.
يشير موضوع النمو السكاني في الأمة الإسلامية إلى تزايد عدد المسلمين حول العالم بنسبة 7 أضعاف خلال المائة عام المنصرمة، من 221 مليوناً في عام 1910م، إلى 1.553 مليار عام 2010م، ومن المتوقع أن يزيد عدد المسلمين بين عامي 2015 و2060 إلى 2.8 مليار نسمة.
إلى جانب النظرة الصحيحة عن الكون والإنسان والحياة، التي تنبثق عنها معالجات مشاكل الإنسان، والثروات الطبيعية التي حباها الله للأمة على الأرض، والموقع الجغرافي من حيث مكانته على الكرة الأرضية كتوسطه بين القارات، وامتلاكه السيطرة على خطوط المواصلات البرية للنقل والتجارة، وإطلالة موقعه على البحار والمحيطات، يعد العامل السكاني "الديموغرافي" عاملاً من عوامل قوة الدول، فكل أمة من الأمم لديها عدد سكاني، يبين مع مقارنتها بغيرها من الأمم، لمن الكفة الراجحة في الكثرة، فالتعداد السكاني يبرز قوتها من ضعفها، خصوصاً مع ارتفاع نسبة الشباب فيها، الذين تلقى على عاتقهم القيام بكافة الجهود والأعمال داخل الدولة. ويؤشر التعداد السكاني على أن الدولة لديها ما يكفي من السكان تستطيع توزيعهم على مناحي الحياة الزراعية والبحرية والصناعية والعسكرية... الخ. كما أن معرفة وجود معدلات أعمار السكان، من ذكور، وإناث، شباب، وأطفال، وكهول، يكون قوة أخرى تضاف إلى العامل السكاني.
عند نهاية النصف الأول من القرن الثامن عشر كان رعايا الخلافة العثمانية 76.150.000 نسمة، يسكن العاصمة إسطنبول 1.400.000 نسمة، فيما كان تعداد سكان فرنسا 22.653.000 نسمة، يسكن العاصمة باريس 600.000 نسمة، وتعداد سكان بريطانيا 12.985.000 نسمة، يسكن العاصمة لندن 800.000 نسمة، روسيا 15.000.000 نسمة، يسكن موسكو 120.000 نسمة. هولندا 7.950.000 نسمة يسكن أمستردام 200.000 نسمة. البرتغال 6.600.000 نسمة، يسكن لشبونة 250.000 نسمة، الدنمارك 1.760.000 نسمة، السويد 1.800.000 نسمة.
إن مجيء منظمة الصحة العالمية المنبثقة عن الأمم المتحدة في 1945م، جعلتها الدول الغربية تركز أعمالها على الوصول إلى كافة الأمم في بقاع العالم المختلفة، ومباشرة برامجها فيها، التي تهدف إلى خفض أعداد سكان تلك الأمم، لعدم كفاية مواردها "بحسب نظرية مالتوس" وفي مقدمة تلك الأمم الأمة الإسلامية التي ترتفع فيها نسبة الشباب لكبار السن، ونسبة المواليد عن نسبة المتوفين، نتيجة خصوبة النساء المرتفعة؛ لإتمام إحكام قبضتها على العالم دون منافس، واستنزاف خيراته وموارده، وتحويل موقعه الاستراتيجي عن أهله لصالحها، وجره وراءها بالحضارة الغربية الفاسدة. وبحسب الإحصائيات السكانية، في عام 2000م فإن جميع الدول الأوربية الـ47 تموت بنسبة مواليد منخفضة، باستثناء ألبانيا المسلمة، بنسبة مواليد مرتفعة. منذ عشرين سنة من الآن حذر عالم السكان من جامعة روما الإيطالي غوليني من أزمة سكانية وشيكة في إيطاليا، نتيجة المجتمع الشائخ قليل الشباب، لأن النساء لم يعدن يخططن للإنجاب، بحسب إحصائية لمجلة نوا دون الشعبية.
ويذكر بوكنان في كتابه "موت الغرب" ص28: "وإذا كان الغرب في قبضة "ثقافة الموت" كما يجادل البابا وكما تبين الإحصاءات على ما يبدو، فهل توشك الحضارة الغربية أن تلحق بإمبراطورية لينين إلى النهاية المشينة نفسها؟"، ناهيك عن العافية والتعافي، وانتشار الأمراض، فقد ذكرت صحيفة الثورة الصادرة في صنعاء يوم 16/01/2025م عن دراسة جديدة إلى نتائج صادمة عن تضاعف عدد حالات الخرف في الولايات المتحدة لدى كبار السن، وهو الأمر الذي يرجع بشكل مباشر إلى شيخوخة السكان في أمريكا، وأن اليابان تعاني من نقص السكان، وزيادة الشيخوخة، وفق استطلاع أجرته شركة نيكي للأبحاث، لصالح وكالة رويترز مطلع عام 2025م. وعدد سكان الصين ينخفض للسنة الثالثة على التوالي.
لقد جعل الله نظاماً للكون والإنسان والحياة ينظمها جميعاً، ومن نظامه أن أمر الرجال والنساء بلبس الساتر للعورات، وحفظ فروجهم فقال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾، كي يعود على المجتمع بالعفاف، وصيانة له من انتشار الفواحش، وجعل عقوبة مرتكبيها رادعة، حفظا للأنساب، وأمرنا بالزواج، فقال: ﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾، ونهانا عن العزوف عن الزواج، فقال رسول الله ﷺ «... لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». ويتبع ذلك كثرة الأبناء، بنين وبنات. وكما أمرنا بالعفاف أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتكاثر، ونهانا عن حمل هم الرزق، حيث قال سبحانه: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾، وحصل للمولودين رزقاً من بيت مال المسلمين، منذ عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: «تَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ، وَلَا تَكُونُوا كَرَهْبَانِيَّةِ النَّصَارَى»، وحث المسلمين على تيسير مهور بناتهم، حيث قال رسول الله ﷺ: «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مُؤْنَةً». فالنظام في الإسلام من خالق الكون، بما يحويه من أرزاق، والإنسان الموهوب للحياة من الله، هو القائم على تطبيق النظام، وحياة بقية الكائنات الحية، التي جعلها الله بيده وحده.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس شفيق خميس – ولاية اليمن