Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

فقدان السيادة انتحار سياسي

 

لا شك أن الجميع قد شاهد تلك المقابلة الحامية الوطيس بين الرئيسين الأمريكي ترامب والأوكراني زيلينسكي في البيت الأبيض نهاية الشهر الفائت، فهي كانت صاخبة لافتة للنظر استرعت انتباه كل المتابعين.

 

ولست هنا بصدد تقييم تلك المقابلة أو نقاشها، بل أود أن أسلط الضوء على مسألة واحدة فحسب، وهي ما الذي أوصل الرئيس الأوكراني إلى تلك الحالة؟ ما الذي جعل ترامب يتجرأ على أن يعامله تلك المعاملة، ويطلب منه أن يوقع له على تسليم ثروات بلاده لأمريكا بقيمة 500 مليار دولار، وفوق ذلك الاستسلام أمام روسيا بشكل مذل؟

 

الجواب هو زيلينسكي نفسه، فهو من وضع رقبته بيد أمريكا، وهو من ارتمى في أحضانها، وجعل لها السبيل عليه، فباتت روحه وبلده بيدها. لذلك ما إن أظهر زيلينسكي تمنعاً في تلك المقابلة حتى سارع ترامب إلى وقف المساعدات العسكرية والتحديثات اللازمة لطائرات إف-16 وقطع الغيار والأسلحة، وماسك رجل ترامب هدد بقطع الاتصالات عن الجيش الأوكراني في الصفوف الأمامية للقتال كونها تعتمد على شبكته للاتصالات، ستارلينك.

 

وهكذا وضعوه بين خياري الموت والهزيمة أو التسليم والخيانة والتفريط، بكل بساطة. وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن التشريع الرباني لهكذا معضلة.

 

فتأملوا معي قول الله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾. واضح فيه تحريم أن نجعل للكافرين علينا سبيلا، لأن ذلك يعني فقدان السيادة والإرادة، وهذا ما وقع فيه الرئيس الأوكراني مع أمريكا وأوروبا، حين جعل لهم عليه سبيلا فأصبح بلا سيادة ولا إرادة.

 

وهذه القاعدة عامة للمسلم وغير المسلم، إن أراد أن يملك القرار، فمن يدفع المال يملك القرار ومن يسلح يملك الميدان. وهي في حق المسلمين مسألة حكم شرعي لازم الاتباع، إذ حرم عليهم الله أن يجعلوا للكافرين عليهم سبيلا.

 

وكذلك حديث رسول الله ﷺ القائل: «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ» فذلك يجعل لهم علينا سبيلا، ويفقدنا الإرادة والقدرة على اتخاذ القرار، بل إن رسول الله ﷺ حرم أن نستعين بالمشركين على المشركين، فقال: «فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ».

 

وما أروع قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ. ليحسم المسألة بما لا يترك لنا مجالا للشك بحرمة الركون أو الاستكانة إلى الكفار أو الظالمين.

 

لذا ينبغي القناعة التامة بأن فقدان السيادة والقرار يعني الانتحار السياسي، وهذا ما وقع فيه الرئيس الأوكراني، وهذا للأسف ما هو واقع فيه كل حكام المسلمين.

 

لذلك ليس غريبا أن نرى مواقف الحكام تضر بنا وبديننا وببلادنا وبالحكام أنفسهم أحيانا، كما حدث في مسألة دعوة ترامب مصر والأردن إلى استيعاب أهل غزة بعد تهجيرهم. ليس غريبا أن نرى ذلك لأن حكامنا قد جعلوا للكفار علينا سبيلا فأصبحوا هم بلا سيادة ولا سلطان.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس باهر صالح

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.