- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لا تبديل لكلمات الله
من لطائف ما قيل في معنى لا إله إلا الله: "لا بُدَّ من التخلية قبل التحلية". فلا يجتمع نقيضان في آن واحد، لذا كان نفي الألوهية عن غير الله، ثم إثباتها لله وحده. لذلك مثلاً نجد سيدنا حذيفة بن اليمان يسأل رسول الله ﷺ عن الشر مخافة أن يقع فيه، في وقت كان الناس يسألونه عن أعمال الخير. والإسلام في تفاصيله الصغيرة قبل الكبيرة واضح وحازم في مسألة نفي الخبث عن كل أحكامه، وتنقية الفكرة والطريقة من كل ما قد يطرأ عليه من تلبيس أو دنس.
وقد تعامل القرآن الكريم مع هذه المسألة تعاملاً غاية في الدقة حيث كان الوحي ينزل ليخبر رسول الله ﷺ، بحقائق الأمور، فيثبت الحق وينسف الباطل، أفكاراً وشعائر ومعتقدات وعادات. فالإسلام حين جاء لم يتعامل مع الواقع المكيّ إلا كبيئة يجب تغييرها تغييراً جذرياً وحوَّلها بالوحي لمجتمع مغاير تماماً لما كان عليه قبل الوحي. نزلت الآيات على رسول الله ﷺ، تهاجم عبادة الأصنام وتسفِّه من يعبدها: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
وكانت آيات القرآن تتنزل متتابعة تشكل منهجاً واضحاً يعرّي الباطل في الأذهان ويزيل كل ما يبقي عليه قشرةً من شبهة حق في نفوس العامة. يقول سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ وفي هذه الآية يقول القرطبي: وكما فصلنا لك في هذه السورة دلائلنا ومحاجتنا مع المشركين كذلك نفصل لكم الآيات في كل ما تحتاجون إليه من أمر الدين، ونبين لكم أدلتنا وحججنا في كل حق ينكره أهل الباطل. وقال الزجّاج: والخطاب للرسول لتستبين يا محمد سبيل المجرمين، والخطاب للرسول خطاب لأمته من بعده.
فالحمد لله الذي فصل لنا ديننا وأبان لنا سبيل الحق فثبته في النفوس ودعمه بالحجج المتينة التي لا تدع معها مجالا للريب، وأبان لنا سبيل الباطل فكشف زيفه وفضح فسطاطه وكشف عنه لبوساً يتلبس به.
يقول سبحانه عن المنافقين ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً﴾ فالحمد لله الذي أكرمنا بدين الحق، الذي لا تمكين فيه للدين إلا بكشف كل ما سواه، ولا ظهور لأهله إلا بعد تنقية صفوفهم من كل شائبة ولوثة فكرية أو عقدية.
والناظر في التاريخ، وفي واقع الحال نظرة تبصر وتدبر، وطلب للنصر، ليتراءى له أن المسلم لا يستقيم له قلبه إلا إن أخلصه لله كما أخلص سيدنا إبراهيم قلبه لله وحده وذبح تعلقه بولده إسماعيل، فإنه لا يجتمع في جوف رجل قلبان. وأن الجماعات العاملة في الساحة لا تنتصر إلا حين تثبت على ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
وحالنا اليوم كأمة وجماعات وأفراد، يخالطه زيغ كثير، فالرأي العام في الأمة اليوم قبيل إقامة الخلافة الراشدة الثانية، رأي كاسح بحتمية تحكيم الشريعة والشوق للإسلام والعيش في دولته، لكن هذا الرأي العام تخالطه ضبابية في الرؤية لدى العامة عن ماهيّة الدولة الإسلامية الحقيقية، وتشوبه شوائب التدرج والركون للنظام الدولي وموالاة الظالمين.
لا تجد مسلما إلا ويريد الجنة والفوز بها والنجاة من النار، لكن سبيل هذا الفوز، محفوف بشبهات وأباطيل، فتجد من بنات المسلمين من تصلي خمسها لكنها تخرج كاسية عارية مائلة مميلة. وتجد من شباب المسلمين من يصلي ويصوم لكنه يوالي الظالمين ويماريهم في باطلهم بحجج واهية كالخوف وأنه عبد مأمور، وتجد من علماء المسلمين من يفتي بقوة وحجة تدحض مخالفه في كل أمر إلا حين يكون الحق على خلاف ما يهوى حاكمه الذي يأتمر بأمره من حكام المسلمين. وتجد من أبناء المسلمين من يريد العدل، لكنه يجانب الحق حين يظن أن العدل هو مجرد انتهاء سلطان الطاغية، ولا يعنيه في شيء أن تبقى السيادة في الحكم لشرعة الطاغوت، لا لدين الله.
وغيرها من مظاهر وأفكار دخيلة عششت في قلوب المسلمين، خالطت المعاني القرآنية للفوز والفلاح. وصرفت الأذهان عن مراد الوحي من الفلاح الحقيقي الذي يتجلّى في الآيات القرآنية بوضوح أنه ليس إلا تحقيق معنى الخلافة في الأرض، بالجهاد المستمر والعمل الدؤوب المستنير لإقامة دين الله في الأرض، والتزام الثغر الذي ألزمه الله كل مسلم.
الصراع بين العقيدة الإسلامية التي ترسم للإنسان الخط المستقيم الواضح لفلاحه في هذه الدار كدار عمل، وفلاحه الأكبر في الآخرة كدار حصاد وجني للثمر، وبين العقيدة الرأسمالية التي تجعل الفلاح مقصورا على الدنيا كمحطة وحيدة للحياة لا قبل لها ولا بعد، وكل فوز فيها أو نجاح يتحتّم أن يكون فيه تحقيق لذة أو جني مكسب شخصي، هذا الصراع مستمر، وكل فريق له جنده، وأهله وأنصاره، والنتيجة معروفة بوعد القرآن الذي لا يخلفه رب القرآن: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
وهذا الوعد كائن مهما علا أهل الباطل، ومهما كادوا فإنه عند الله مكرهم، ومهما أجمع السحرة فإنه سيأتيهم موسى بعصاه لتلقف ما يأفكون.
فجهود سنين من الضخ الإعلامي والسياسي في أجيال الأمة عن شيطنة الجهاد وصرف المسلمين للدنيا وبهرجها، نسفها طوفان واحد أثبت أن هذه الأمة أمة جهاد واستخلاف، مهما أوحى الشياطين إلى أوليائهم وروّجوا للباطل وزخرفوه، مهما أنفقوا من أموال ليغروا شباب المسلمين بملذات الدنيا وصورّوا النجاح أنه كأس وغانية، أو مال وسيارة، أو وظيفة واستقلالية للنساء كما يروجون، مهما عملت صواحب وبنات نوال السعداوي وحفيدات سعد زغلول ليخلعوا الحجاب عن رؤوس بنات المسلمين، وكرَّهوا الفتيات والشبان في الزواج وتكوين الأسر المسلمة وتحصينها بالإسلام وأحكامه، فلن ينجحوا. ومهما أغروا شبابنا بالدنيا فإننا أمة مزروع في قلوب رجالها حب الجهاد والغيرة والنخوة، وهذه معانٍ يفقدها الغرب الذي لا يرى من الدنيا سوى ملذاته. فلا تبديل لكلمات الله!
﴿فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
بيان جمال