Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

الدنيا وزخرفها والآخرة ونعيمها

 

 

 

يقول سبحانه وتعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾، وقال تعالى في الآخرة: ﴿إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ﴾.

 

معادلة عجيبة شطرها مشهود ومعلوم ومرئي وموصوف فيه خلق الإنسان، يعايشه ليل نهار يعافسه وتعافسه وهو في حالة صراع دائم.

 

 قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾، يكابد فيها ابن آدم ليل نهار حتى يأتيه اليقين، وهو في سيره في الحياة الدنيا يرى هذا اليقين (الموت) يأتي غيره في سيره، يرى هذا اليقين ولكن عينه على الزينة والتفاخر والتكاثر، قال تعالى: ﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً﴾، يعايش اليقين في غيره ولكنه لا يستشعره في نفسه قبل أن يأتيه اليقين فيغلبه على هواه ويصدمه قبل أن يلقاه، ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾... هذه غيبة البصيرة تصيب البصر بغشاوة عن إدراك حقيقة مرئية محسوسة ملموسة ليست خيالاً متصوراً ولا حقيقة مغيبة، وإنما واقع ملموس محسوس. ولو أدركها هذا الإنسان لعاش في دنياه بشظفها وبؤسها، وشقائها ولؤمها، وضيقها وسعادتها، لأنه أدرك معناها وعاش مغزاها فأعد لها ما يعتد من زاد لا يزول ولا يحول، سهلٌ حمله ثقيل ميزانه، ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.

 

هذه معادلة الدنيا تكشف عن قانون فيزيائي طبيعي؛ أن الثمين والمتين والقوي والمثمر والمُغْنِي هو ما يكون ثابتاً لا يتزحزح ولا يتغير ولا يتحول ولا تذروه الرياح، ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾. ولذلك تكشف هذه الحقيقة الفيزيائية عن قاعدة أن الثمين لا يكون مكشوفا ولا يكون سطحيا ولا تذروه الرياح، وهو عصي عن الاكتشاف والانكشاف لأنه ضارب في جوف الأرض، حتى تصل إليه تحتاج إلى جهد وعناء وبذل وعطاء وتزاحم على كتب الأنبياء والعلماء، ففي جوف البحار تسكن الكنوز والأحجار الكريمة وعلى سطح الماء تطفو الجيف والزبد ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ﴾.

 

هذه تكشف عن قواعد الفهم السليم والفهم السقيم؛ الفهم السليم هو القائم على العقيدة السليمة والعقل النظيف غير الملوث، والذي يقرأ الواقع فيحلله ثم ينزل حكم الله عليه فإما يجيزه أو ينفيه. وأما الفهم السقيم فهو الفهم السطحي المتلون المتغير الذي تأخذه رياح الهوى يمنةً ويسرة فلا ثابت له ولا حقيقة يستقيها، يميل حيث يميل الناس، فهو كزبد البحر تذروه الرياح ويطفو على السطح ولكنه لا يفيد إن لم يكن فاسداً مفسداً.

 

وفي الواقع السياسي الذي نراه ونرى صورته حقيقة مصورة لا تشوبها شائبة أن الذين تسيّدوا المحراب والكراسي وسادوا فدانت لهم الرقاب هم زبد البحر وزوان الحبوب الذي لا يصمد لمناظرة ولا ساحة جدال. فهم جفاء تذروه الرياح لا جذر لهم ولا رواسي ثابتات. وهؤلاء هم الذين حذرنا منهم رسول ﷺ لِما يحملونه من بلاء عظيم وشر مستطير لا يثمرون ويقومون مفسدين أينما حلوا وارتحلوا، وقال تعالى عنهم: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾، وقال ﷺ محذراً ومتوعداً من هذا الشر السطحي البارز الواضح ومتوعداً من بلائه الذي سيطال الشجر والحجر والبشر: «إذَا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» أي انتظروا شراً مستطيراً وبلاءً ليس له نظير، تتعوذ منه الجبال الراسيات والكنوز في مخابئها وتستعيذ من شره حيتان البحر وبه قال الله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ وقال ﷺ: «صِنفانِ مِنَ النَّاسِ إذا صَلَحا صَلَحَ النَّاسُ، وإذا فسَدا فسَدَ النَّاسُ: العُلَماءُ والأُمَراءُ» والناس هنا ليس كل الناس بل الناس في الروايتين هم الصنفان اللذان حددهما الرسول الكريم ﷺ.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سالم أبو سبيتان

 

 

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.