Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

﴿إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً

 

 

لا يخفى على أحد الواقع المأساوي وحياة الضنك والشقاء التي يحياها المسلمون في كل بقاع الأرض وهي في بعضها أكبر وأشد وضوحاً وأكثر دموية وإجراماً كما هو الحال مثلاً في السودان حيث الحرب الدائرة هناك بين أهله خدمة لمصالح المستعمرين، وكما هو الحال في الأرض المباركة (فلسطين) حيث حرب الإبادة الوحشية التي يشنها كيان يهود على غزة بدعم أمريكي وتخاذل وتآمر من الحكام في بلاد المسلمين، هذه الحرب التي طالت البشر والشجر والحجر، والعدوان والجرائم التي يرتكبها يهود في الضفة لا سيما شمالها والتي تحاكي جرائمه في غزة، ولا يخفى أيضاً تكالب الأمم عليهم والمكائد والمؤامرات التي يحيكونها لهم ونهبهم ثرواتهم ومقدراتهم وسعيهم الدؤوب لمنع وحدتهم واستعادة عزتهم، وقد وجدت لدى بعض المسلمين في ظل هذه الظروف والأحوال المأساوية حالة من اليأس والإحباط وفقدوا أملهم في تغير الأحوال ونصر الله لهم، ومن جانب آخر وجدت لدى آخرين اتكالية وإيمان بالقدرية الغيبية، فقعدوا ينتظرون أن ينزل عليهم نصر الله دون أن يتلبسوا بعمل كما جرت سنة الله في التغيير.

 

إنّ الذين أصابهم اليأس والإحباط خاصة بعد حرب يهود الوحشية على غزة قد قاسوا الأمور من منظور الحسابات المادية، فنظروا للأمر من جهة القدرات العسكرية والتطورات التكنولوجية التي تملكها الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا التي أمدت يهود بالأسلحة الفتاكة، ورأوا صولتها وجولتها في بلاد المسلمين ويدها الطولى فيها، فظنوا أن أمريكا وربيبها كيان يهود لا يُهزمون ولسان حالهم ومقالهم يقول بحقهم ما قيل عن التتار: "إذا قيل لكم إن التتار قد انهزموا فلا تصدقوهم"، وقد غاب عن هؤلاء أنّ قوة الله سبحانه وقدرته تفوق قوة كل الطغاة والمتجبرين، وأنّ ما نراه صعبا أو مستحيلا هو عند الله هين، وأنّ الله عندما ينزل نصره على عباده المؤمنين، ينزله بغض النظر عن عددهم وعتادهم، وبغض النظر عن قوتهم المادية، ولينظروا في تاريخ المسلمين ليروا كم كانت أعدادهم وعتادهم في معاركهم الفاصلة مقابل عدة وعتاد الكفار ولكن الله نصرهم، يقول سبحانه وتعالى: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللهِ﴾، وبغض النظر عن قوة أعدائهم، فإنها لا تساوي شيئا أمام قوة الله، فهو القوي العزيز القاهر فوق عباده. فالله سبحانه وتعالى إن أذن بنصره فلا راد له، وإن لم يأذن به فمن ذا الذي يملك النصر من بعده: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾، فلا يصح أن يخالط عقيدة المسلم شيء من الخشية من عدد العدو وعدته، كما لا يصح أن يخالطها شيء من الغرور بسبب كثرة العدد والعتاد، لأن عددنا وعدتنا ليست كفيلة بنصرنا إن لم يأذن الله بنصرنا ولنا في غزوة حنين عظة وعبرة ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾، وعدد عدونا وعدته لن تحول بيننا وبين نصر الله مهما بلغت قوتهم وغطرستهم.

 

وإنه من صلب عقيدة كل مسلم أنّ اليأس والقنوط محرم عليه ﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾، وأنه لا يصح اليأس من أمة الإسلام ونفي الخير عنها، وليس معنى هذا أننا نبرر لها سكوتها وتخاذلها عن نصرة أهل غزة وسائر المسلمين المستضعفين بل إننا نحذرها وخاصة أصحاب القوة فيها القادرين على نصرة إخوانهم، نحذرها من عاقبة هذا الصمت والخذلان في الدارين، ولكن معناه أننا لا نفقد الأمل في أبنائها ولا نعدم الخير فيهم، وأمة الإسلام لم ولن تعدم إنجاب الأبطال والفاتحين المحررين، يقول ﷺ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ» ومعناه أشدهم هلاكا، وروي «أَهْلَكَهُمْ» بفتح الكاف ومعناها هو جعلهم هالكين، لا أنهم هلكوا في الحقيقة.

 

أمّا أولئك الذين يوقنون بأن الله سينصر عباده لا محالة وأنّ الله سبحانه وعدنا ورسوله ﷺ بشرنا بذلك فينتظرون إنجاز الله لوعده وتحقق بشرى نبيه ﷺ دون أن يعملوا، فنقول لهم صحيح أن الله جعل النصر للمؤمنين حقاً عليه ثابتاً لا يتغير، قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، ولكنه سبحانه قد أمرنا بحمل الدعوة والعمل لتغيير هذا الواقع ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ ولم يأمرنا بالانتظار أو الدعاء فقط، ونقول لهم إن لله سنناً لا تتخلف وقد اقتضت سنته أن لا ينزل علينا ملائكة من السماء تقيم لنا خلافة وتقاتل عدونا ونحن قاعدون، بل الله سبحانه ينزل ملائكته مدداً وبشرىً بنصره للمؤمنين كما أنزلهم في معركة بدر ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾، ولو نظرنا في قصص الأنبياء التي قصها علينا القرآن الكريم ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِى الْأَلْبَابِ﴾ لرأينا أن سنة الله هذه قد جرت على الأنبياء كما جرت على غيرهم من حملة الدعوة على مر العصور، وقد قص علينا القرآن ما عاناه الأنبياء والرسل مع أقوامهم في دعوتهم للحق، وكم بذلوا جهوداً عظيمة في سبيل ذلك، وكم من السنوات قد قضوا في دعوة الناس والعمل لتغيير الواقع الفاسد وفي النهاية نصرهم الله هم والثلة التي آمنت معهم، فعلينا أن نعي أن نصر الله للمؤمنين مرتبط بصدق إيمانهم وحسن طاعتهم وعملهم حتى يستحقوا نصر الله مصداقاً لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ فإن نصرْنا الله ينصرُنا، ونصرُنا لله يكون بالالتزام بشرعه والتلبس بالأحكام الشرعية المفضية إلى ظهور الدين وإقامته. وقد وُجد في الأمة بفضل الله سبحانه مَن تلبس بهذه الأحكام ويصل ليله بنهاره عاملاً ضمن كتلة تعمل على تغيير الواقع الفاسد وإقامة دولة الخلافة مستبشرة بوعد الله سبحانه وبشرى نبيه ﷺ بإقامتها.

 

وفي الختام فإنّ الابتلاء والتمحيص سنة من سنن الله في خلقه ليميز الخبيث من الطيب، وإن اشتداد البلاء وانقطاع الأسباب مؤذن بقرب الفرج إن شاء الله ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾، وإنّ كل شيء عند الله بقدر وقد جعل له أجلاً وميقاتاً لا يتقدم ولا يتأخر وسينزل الله نصره لعباده المؤمنين في الموعد الذي حدده ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾، وإن في قصص أخذ الله للظالمين وإهلاكهم ونصره لعباده المؤمنين، وفي ما وعدنا به الله سبحانه وبشرنا به نبيه ﷺ من رفعة وتمكين للإسلام والمسلمين ما يبعث السكينة والطمأنينة في قلوبنا يقول ﷺ: «إنَّ اللهَ زوَى لي الأرضَ فرأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها فإنَّ أُمَّتي سيبلُغُ مُلْكُها ما زويَ لي منها»، فنسأل الله سبحانه أن نكون ممن يشهدون عزة الإسلام والمسلمين وإقامته دولته عاجلاً غير آجل إن شاء الله.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

براءة مناصرة

 

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.