المهندس هشام البابا الحملة الأمريكية على العراق والشام [1]
- نشر في أخرى
- قيم الموضوع
- قراءة: 420 مرات
2015/01/10
الدكتور ماهر الجعبري
وجه الأخ المحترم الكاتب نصار يقين "نصيحة إلى حزب التحرير الكريم في ضوء بيان الحزب من زيارة أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي للقدس" نشرها على دنيا الوطن، وقد جاءت في سياق النصح الأخوي وبجو الحرص على الدعوة وحب بيت المقدس، مما أوجب علينا الرد عليها في هذا المقال، مع التقدير لصاحبها. وقد اختلطت مع النصيحة عدد من التساؤلات الفقهية مع الرؤى المستقبلية والوقائع السياسية، ولذلك سيركز هذا المقال على بعض الزوايا الرئيسة فيما كتب أخونا يقين.
إننا كجزء من الأمة الإسلامية لا يمكن أن نفصل أنفسنا عن جسدها المتلاحم المتراحم، ولا يمكن أن نقلل من أهمية المشاعر المتدفقة عبر ذلك الجسد الإيماني نحو القدس والأقصى، بل إننا نعمل جاهدين على بلورة زخم محرك للأمة من خلال تعظيم تلك المشاعر الإسلامية، ولذلك تشهد ساحات المسجد الأقصى على النداءات التي يوجها حزب التحرير إلى الأمة الإسلامية وجيوشها لتحمّل مسؤولياتها، باعتبارها صاحبة الحق والواجب، ولا اعتبار لحدود وهمية صنعها المستعمر -كما تفضّل أخونا في نصيحته. ونحن نحب المؤمنين المتحرّقين لنصرة الأقصى ونحب لهم الخير، ولذلك نتصدى للتطبيع الذي تمارسه الأنظمة، ولا نحب لأولئك الأحبة المندفعين في حب الأقصى أن يتلطخوا بما تحاول الأنظمة أن تورطهم به من كسر الحاجز النفسي أمام رؤية الجندي اليهودي يشهر بندقيته على باب الأقصى دون أن تغلي الدماء في عروقهم.
وبدافع ذلك الحب والحرص على المسلمين، نجتهد في حماية إخوتنا المخلصين من الوقوع في الحبائل السياسية التي يستهدفها اليهود عبر التطبيع، والتي تشارك الأنظمة العربية في ترويجها، في المجالات المتعددة التي تشمل التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي، بالإضافة إلى التطبيع الأمني، والتطبيع المائي. ولا يتسع المقال لتفصيلها، وقد كتبت حولها مقالا قديما بعنوان "هل يكون التطبيع الثقافي جسرا لعبور يهود إلى وجدان الأمة ؟". وقد خصصت فصلا كاملا حول التطبيع في كتابي: "المجتمع المدني والتمويل الأجنبي- آفاق أم تحديات!".
وقد ذكرت فيه بعض مقاصد دولة اليهود من التطبيع، وهي التي تركز على محاولة إنهاء حالة الحرب والعداء الفعلي والنفسي بين المسلمين وبين اليهود، وإزالة الحواجز الفكرية والشعورية التي تقف سدودا منيعة أمام تقبل المسلمين لوجود دولة لليهود فوق تراب فلسطين، لكي يتحقق الأمن للدولة المسخ، ومن ثم إحباط الروح الجهادية في الأمة الإسلامية، بالإضافة إلى أهداف استعمارية أخرى تتعلق ببسط السيطرة والنفوذ، والمشاركة في نصيب من "كعكة" الخيرات في بلاد المسلمين، كما عبر شمعون بيريس عن هدف الاندماج في الشرق الأوسط، من خلال السوق الشرق أوسطية، كتصور مستقبلي لاستيعاب دولة يهود في المنطقة، أو ربما بشكل أدق لابتلاع دولة يهود للمنطقة. ولا تتحقق تلك الأهداف اليهودية إلا بالاعتراف الكامل على المستويات الرسمية السياسية وعلى المستويات الشعبية والحزبية والمؤسساتية، التي تستوجب فتح الحدود لحركة الناس والسلع والثقافات والعادات والفنون.
ولأن "الإسلام هو الدواء الشافي الذي ينفع الناس أبدا" ولا يصح أن تكون العقول البشرية حكما على قبح الأعمال أو حسنها بعيدا عن نصوص الشرع، كما يشير نص النصيحة، فإن الإسلام قد خاطبنا بنص صريح قطعي محرما كل قول أو عمل يُسهم في تمكين المستعمر من رقاب المسلمين، وذلك في قول الله سبحانه: "وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً"، وهو خبر يفيد الطلب (عند الأصوليين)، ولذلك يحرم على المسلمين الانخراط في برامج التطبيع التي تسهم في ترسيخ المحتل فوق تراب فلسطين "وتشرعن" وجوده.
وهذا الرأي -الشرعي والسياسي- لم ينفرد به حزب التحرير عن المسلمين، بل إن المتابع السياسي يدرك أن هنالك حشدا من الفتاوى الشرعية، والمواقف السياسية لعدد من الجهات مثل النقابات المهنية، كلها تقف وقفة صادعة ضد تلك البرامج التطبيعية، بل إن نقابة المهندسين الأردنيين مثلا قد أدرجت عهدا لديها يقضي بمقاومة برامج التطبيع، ولذلك فهي تجرّم زيارات المهندسين -المهنية- لفلسطين تحت الاحتلال.
أما حول تساؤل أخينا حول الفرق بين زيارة مسلم من إربد وآخر من نابلس للأقصى، فإننا لم نصدر يوما فتوى رسمية حول الزيارات الشخصية للأقصى، ولذلك نحن لا نتحدث عن زيارات الأفراد، وخصوصا من أهل فلسطين في الشتات، ممن يأملون بفرصة زيارة الأهل في فلسطين، وندرك أن ثمة إمكانية لخلاف فقهي في هذه المسألة، ولا نريد أن نلزم أحدا برأي في ذلك، عبر هذا المقال.
ولكننا دائما عندما نتصدى للبرامج التطبيعية نستهدف الجهات الرسمية-التنفيذية، ونقاوم جهود الأنظمة، ومحاولات الحكام، وضدها وحدها ينحصر كفاحنا وتصدينا، ولذلك لن تجدنا يوما في موقف كفاحي -فكيف تقول عدائيا؟- ضد أي فرد مسلم، لأن الكفاح السياسي لم يُشرّع إلا ضد الأنظمة والكيانات المستبدة لخلعها. ومن ثم فإن أخانا في نصيحته يلتقي معنا في الحديث عن "أن بعض الزائرين ليس من المستبعد أن يكون وراء زياراتهم شبهات ونوايا سيئة مغرضة، تتناغم مع مواقف حكامهم المتراخين المقصرين عن نجدة المسجد الأقصى، المرتجفين خوفا من علوج أمريكا وأنجاس أوروبا."
ولو تفحص أخونا الناصح دعوى أمين عام المؤتمر الإسلامي التي طالب المسلمين فيها بالزحف إلى المسجد الأقصى بعشرات الآلاف، لأدرك أن النتيجة الطبيعية لهذه الدعوى هو زحف تلك الألوف المؤلفة نحو سفارات كيان الاحتلال اليهودي في العواصم العربية، وهي سفارات لا يقوم لها بنيان إلا على أرضية الاعتراف بالاحتلال اليهودي للقدس وفلسطين، كما نصت مبادرة السلام العربية التطبيعية، وهي التي تحقق حلم شمعون بيرس الذي سطره في كتابه الشرق الأوسط الجديد.
ولذلك فالمحصلة السياسية لتلك الدعوى السياسية -الصادرة عن شخصية سياسية تمثل الأنظمة المتآمرة- هي "منع الذين عندهم جيوش من الزحف المقدس المأمول" على غير ما توقع أخونا الناصح.
وأما حول أشكال التصدي "الشعبي" لأي زائر سياسي يمثل الأنظمة المتآمرة والمتخاذلة عن نصرة القدس وأهلها في المسجد الأقصى أو المسجد الإبراهيمي فهو عمل واجتهاد من قبل أفراد مسلمين -من شباب حزب التحرير ومن غيرهم- تلتهب مشاعرهم حرقة على الأقصى أو حسرة على دماء المسلمين، ولم يسبق للحزب رسميا أن حرّك عملا سياسيا خاصّا في هذا الشأن، ولا أن أدان عملا سياسيا من هذا النوع، بل ترك تقدير الموقف الفردي على حاله دون تعقيب سياسي، وهذا نوع من التعبير السياسي.
أما ما ورد في نصيحة أخينا من أهمية التخطيط لتحرير الأقصى وفلسطين والتعمير، فليس ثمة من خلاف يذكر في هذا الشأن، إلا أن التخطيط السياسي-التنفيذي هو عمل الدول، ونحن متفقون أنها متقاعسة عن نصرة الأقصى بل متآمرة عليه، لذلك فلا تكتمل الجدية في ذلك التخطيط إلا بالعمل الجاد لإقامة الخلافة التي تعد الخطط الفعالة وتنفذها بطاقة الأمة الحية. وفي موازاة ذلك، لا يمكن أن نحبط جهود المخلصين ممن يفكرون للمستقبل أن يبدعوا في التحضير لما بعد التحرير. ولقد ذكر أخونا في نصيحته مثال صلاح الدين، وهو من هو في الوعي السياسي وفي الجهاد، فقد وحّد دولة المسلمين وحشد جندهم في طريق تحرير القدس، مما يحمل إنارة فكرية للعاملين لتحرير الأقصى، وتنحصر في كلمتين مفتاحيتين هما "الوحدة والجيوش"، وهما عنوان مشروع الخلافة، وضد مشاريع الأنظمة.
وإننا نتقبل نصيحة التريث، ونعمل بها، وندرك أن رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا -ممن يخالفنا- خطأ يحتمل الصواب، ونتفقه بالوحي القرآني " نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مّن نّشَآءُ وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ "، وإذ ندعو الله أن نكون من المحسنين، ممن نهضوا لمشروع الخلافة العظيم الذي يغير وجه الأرض ويعيد صناعة التاريخ، لا نمجد أنفسنا ولا ننفي عن أنفسنا وشبابنا ما يقع به عباد الله من الخطأ.
إن مشروع الخلافة هو مشروع خير- بل خير مشروع على وجه الأرض- يسعى فيه وله شباب الحزب وقادته يصلون ليلهم بنهارهم قربة لله لا سمعة وتفاخرا، و"الأمر لله يضعه حيث يشاء" كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم، وكما بشر قرآننا: "لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ". فإن كتب الله خير عودة الخلافة على أيدي شباب حزب التحرير فهم -بأمر الله وتوفيقه- أنفع الناس للبشرية جمعاء، لأن الخلافة هي التي تخرج الناس من ظلمات الديمقراطية وفحشاء الرأسماليةـ إلى عدل الإسلام وظلال القرآن.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
المصدر : دنيا الوطن
تحرص الدول في العالم عند نشوئها ووضع دساتيرها، على الحفاظ على وحدة الدولة، باعتبارها خطّاً أحمر لا يجوز تخطيه، وعلى حماية الحقوق من ضياعها، والحرص على أداء الواجبات الواردة في دستور البلاد، لا التآمر عليها وتفكيك وحدتها ونسيجها الاجتماعي. إلا أن حكومة الإنقاذ قد درجت منذ استيلائها على السلطة بانقلاب عسكري، في الثلاثين من يونيو/حزيران 1989م، على تقوية شوكتها وتركيز نفوذها، لتصل بنا إلى ما نحن عليه اليوم، فألغت دستور السودان (الوضعي) الانتقالي لسنة 1985م ودستور 1988 (الوضعي)، وباتت القوانين القائمة آنذاك في (خبر كان)، وطفقت تصدر المراسيم والأوامر الجمهورية والدستورية، مرسوما تلو الآخر، فكلما خشيت أن يصيبها مكروه في كرسيها أو تعقدت مشاكلها، تحشد القوانين والمراسيم، تغيّرها حيناً، وتعدل فيها حيناً آخر، وتلغيها لتستبدل بها غيرها أحيانا، فكان المرسوم الدستوري الأول الذي جعل ثورة الإنقاذ الوطني هي التعبير عن الشرعية السياسية والدستورية الممثلة للإدارة العامة للشعب في جمهورية السودان، ثم المرسوم الدستوري الثاني - قانون الإجراءات والسلطات الانتقالية لسنة 1989، والمرسوم الدستوري الثالث - تنظيم أعمال أجهزة الحكم لسنة 1989م والمرسوم الدستوري الرابع - تأسيس الحكم الاتحادي لسنة 1991م. المرسوم الدستوري الخامس - المجلس الوطني الانتقالي لسنة 1991... ولانفراد الإنقاذ بحكم السودان، جاء في المرسوم الدستوري الثاني (قانون الإجراءات والسلطات الانتقالية لسنة 1989 (1989/6/30) ما يلي: (باسم الله وباسم الشعب وبأمر مجلس الثورة يصدر القانون التالي: 1- تحل جميع الأحزاب والتشكيلات السياسية، ويحظر تكوينها ونشاطاتها، وتصادر ممتلكاتها لصالح الدولة...)
وهكذا كانت جميع المراسيم الدستورية في عهد الإنقاذ، لتركيز النفوذ وتحكيم القبضة الحديدية في الحكم. وبقي السودان المجني عليه على هذه الحال تسع سنين. فلما دنا عام 1998م، دُبّر أمرٌ بليل فاهتدى الإنقاذ بعد (تمكينها) إلى إلغاء تلك المراسيم، والإتيان بمشروع دستور وضعي آخر لحكم البلاد، فأجاز المجلس الوطني بتاريخ 28 مارس/آذار برئاسة د. الترابي مشروع دستور جمهورية السودان للعام 1998م، ضمنت فيه بنود اتفاق الخرطوم للسلام 1997م، وأضفت عليه الصبغة الإسلامية لضمان التأييد والقبول من جماهير الأمة المتعطشة للحياة الإسلامية.
ثم وقعت الطامة الكبرى بالتوقيع على اتفاقية نيفاشا في التاسع من يناير 2005م، التي أصبحت دستوراً انتقالياً مستورداً من أحراش كينيا برعاية أمريكية مكشوفة، وبمعاونة وتواطؤ أصدقاء الإيقاد (مجموعة أوروبا)، هذا الدستور الذي صُمم خصيصاً لفصل جنوب السودان، فقد أُفرد لهذه المؤامرة بابٌ كاملٌ في الدستور تحت عنوان: (الباب السادس عشر: حق تقرير المصير لجنوب السودان)، لتصبح جريمة الانفصال حقاً دستورياً وقد كان! بل إن هذا الدستور الشؤم يحوي في فقراته موادَّ تهيئ بقية أقاليم السودان للانفصال، فمثلاً في المبادئ الأساسية للدستور ورد في المادة (4): (يُؤسس هذا الدستور على المبادئ التالية ويسترشد بها: (أ) تُؤسس وحدة السودان على الإرادة الحُرة لشعبه)، مثل هذه البنود تعطي الحق لشعب جنوب كردفان مثلاً أو دارفور أن يختاروا بإرادتهم الوحدة مع بقية الأقاليم أو الانفصال... إنها شراك وُضِعت وتم تمريرها، لوضع السودان على حافة التفتيت إلى دويلات.
وبعد انفصال جنوب السودان - نسأل الله أن يعاد إلى حضن السودان - جاء الاتفاق الموقع في 2011/7/14 بشأن دارفور في الدوحة بقطر، والتي كانت أمريكا أيضاً هي وراء توقيعه، وقد بذلت الوسع في ذلك، ووضعت ثقلها، فبعث الرئيس الأمريكي مبعوثه الخاص للسودان آنذاك برينسون ليمان مع كبير مستشاريه حول دارفور داين سميث، ووفد رفيع المستوى، ليشاركوا في مفاوضات الدوحة إلى أن تم التوقيع على الاتفاق. فكما نجحت أمريكا في الإمساك وحدها بخيوط جنوب السودان، فإنها نجحت كذلك في الإمساك وحدها بخيوط دارفور. وهذا الاتفاق يشمل نقاطاً وتفصيلات كثيرة، حيث جاء في الفصل الثاني منه إنشاء سلطة دارفور الإقليمية.. وغيرها من مواد تسوق دارفور نحو الانفصال، فقد وصف التيجاني السيسي توقيع الاتفاق بـ"الإنجاز العظيم الذي يهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في الإقليم لافتا النظر إلى أن "هذه اللحظة التاريخية تتزامن مع انفصال جنوب البلاد وإعلان دولته المستقلة وأنه لا شك أن للحدثين علاقة بالكيفية التي تتم فيه معالجة القضايا في السودان".
(أفريقيا اليوم 2011/7/15) فهو، أي التيجاني السيسي يبرز العلاقة بين توقيع الاتفاقية المتعلقة بدارفور بما حدث في جنوب السودان من انفصاله وإعلان دولته، ويشير إلى كيفية معالجة القضايا في السودان، وهي قابلية انفصال الأقاليم السودانية وقبول النظام السوداني بذلك طوعاً وكرهاً.
إن الاتفاقيات التي تصاغ في أوكار التآمر بدءاً من نيفاشا والدوحة وأديس أبابا، تصبح فيما بعد، ورغماً عن رغبة أهل السودان، دستوراً واجب التنفيذ والتأييد، وهي إحدى آفات هذه الحكومة، فإن اتفاقية الدوحة هذه، قد وضعت برمتها ضمن التعديلات الدستورية التي مررها برلمان الإنقاذ بأغلبية ساحقة يوم السبت 03 يناير/ كانون الثاني 2015م، وأشاد بها التابعون، والعاملون لتنفيذها. فقد أوردت وكالة الأنباء القطرية يوم 6 يناير/ كانون الثاني 2015م خبراً على لسان الناطق الرسمي للسلطة الإقليمية: (أشادت السلطة الإقليمية لدارفور بالخطوة التي اتخذها البرلمان السوداني بالمصادقة علي تضمين اتفاقية سلام الدوحة في دستور السودان الدائم ووصفت هذه الخطوة بأنها أكدت جدية الحكومة السودانية في إحلال السلام الدائم في دارفور والمضي قدما في تنفيذ كافة استحقاقاته). ألا ترون أنها خطوة مهمة في طريق استحقاق الانفصال بعد توقيع الاتفاق النهائي بشأن دارفور؟!
والغريب أن عضو اللجنة الطارئة لتعديل الدستور محمد أحمد الفضل، (رجح أن يكون دستور 2005 مصمماً بهدف تفتيت السودان) سودان تربيون 2015/1/6م. لم أكن أعلم أنهم يعلمون ذلك ويسكتون ويمررون، أما النائب الأول السابق علي عثمان محمد طه في مرافعة طويلة عن هذه التعديلات التي أدخلت في الدستور، لفت إلى أن التعديلات الدستورية تعزز (الوحدة الوطنية)! "سودان تربيون 2015/1/05م" سبحان ربي، ألم يكن الرجل نفسه هو الذي وقّّع، بل بصم (بالعشرة) على فاتورة تمزيق السودان إلى شطرين كسيحين؛ شمال وجنوب، بعد أن حشد الموالين وزعماء العشائر وشيوخ الطرق الصوفية، ورؤساء الأحزاب الموالية قبل التوقيع النهائي على اتفاق نيفاشا، ثم ها هو اليوم يحشد أعضاء البرلمان و(ينفخ) فيهم لتمرير فاتورة تمزيق دارفور بحشر اتفاقية الدوحة التي تقود حتماً إلى انفصال دارفور كما انفصل جنوب السودان؟!!
أما رئيسة لجنة تعديل الدستور بدرية سليمان في دفاعها المستميت عن هذه التعديلات (أوضحت أن التعصب القَبَليَّ والحروب، ظهرا جليَّاً عقب انتخابات 2010 في تعيينات الخدمة المدنية، وتعيين المعتمدين، مما هدَّد بتفكك النسيج الاجتماعي و"الوحدة الوطنية"). ألم تدرِ رئيسة اللجنة أن اتفاق الدوحة المتضمن في الدستور هو أكبر مهدد لوحدة البلاد؟ وإليكم نبأه: أما واقع الاتفاق فقد نص على صلاحيات كبيرة، حيث جاء في الفصل الثاني منه: إنشاء سلطة دارفور الإقليمية ويكون لهذه السلطة الإقليمية مجلس مكون من 22 عضوا له سلطات وصلاحيات وصفت بأنها واسعة، ومهمته تنفيذ ما جاء في الاتفاق بالتعاون مع السلطة في الخرطوم، وأن يعين الرئيس السوداني نائبا له من دارفور ليس خاصا بدارفور وإنما كنائب للرئيس في عموم السودان المتبقي على غرار ما كان الانفصالي سيلفا كير ومن قبله جون قرنق كنائب للرئيس من جنوب السودان ولكن على عموم السودان.
ونص الاتفاق على إنشاء مجلس تشريعي للسلطة الإقليمية مكون من 67 عضوا وإقامة محاكم خاصة بمشاركة مراقبين من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. وجرى الاتفاق على إجراء استفتاء على جعل دارفور إقليماً واحداً أو عدة ولايات تحت سلطة دارفور الإقليمية. ووضعت آلية لتنفيذ الاتفاق مكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين واليابان وكندا والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وقطر والحكومة السودانية والحركات الدارفورية وتشاد.
أما تصريحات مسئولي الإدارة الأمريكية فقد صرح المتحدث باسم وزارتها الخارجية مارك تونر قائلا: "هذا الاتفاق خطوة إلى الأمام نحو حل دائم للأزمة في دارفور" وقال: "سوف نمارس الضغط على الفصائل المسلحة الأخرى التي ترفض المشاركة في المفاوضات كي تلتزم كليا بعملية السلام". وحث المتحدث الأمريكي الخرطوم على "التعبير بوضوح عن رغبتها في مواصلة المفاوضات من أجل التوصل إلى سلام كامل في دارفور". (الجزيرة 2011/7/15)، فأمريكا لم تعتبر هذا الاتفاق نهائيا بل اعتبرته خطوة إلى الأمام نحو حل دائم للأزمة في دارفور، ما يعني أن أمريكا تقول أنه سيليه خطوات أخرى تجبر النظام في السودان على تقديم تنازلات متوالية حتى تصل إلى حل دائم، وهو الذي لم تعلن أمريكا عن ماهيته بكل صراحة. فإذا كان كل ذلك خطوة! فإن الخطوات الأخرى تعني أكثر من أن يكون إقليم دارفور يتمتع بحكم ذاتي بصلاحيات موسعة... ولا يعني ذلك إلا أن يصل الأمر إلى فصل دارفور نهائيا عن السودان بإيجاد اتفاقية أخرى على غرار اتفاقية نيفاشا بإعطاء حق تقرير المصير لأهالي دارفور إلى أن يتحقق الاستفتاء على ذلك، ومن ثم الانفصال كما حدث في جنوب السودان. وهذا ما دفع هذا البرلمان إلى ضم اتفاق الدوحة في الدستور المعدل تمهيداً لتنفيذ هذه الجريمة الكبرى.
وخلاصة الأمر، فإن تضمين اتفاقية الدوحة في الدستور؛ وهي الاتفاقية التي أعطت إقليم دارفور حكماً ذاتياً موسعاً، تمهيداً لانفصالها، الآن يُراد لفكرة الحكم الذاتي أن تصبح حقاً دستورياً. ليس هناك أصرح من هذا في تهديد وحدة البلاد، وما فصل الجنوب بذات الدستور الوضعي عنا ببعيد. فمثل هذه الدساتير الوضعية هي أدوات لتركيز سلطة الحكام، وقهر الأمة وإفقارها وتفتيت وحدتها. فهل ستواصل الإنقاذ مسلسل تفتيت السودان بتضمين اتفاق الدوحة في الدستور؟!
نسأل الله تعالى أن يتغير هذا الواقع بدستور إسلامي مأخوذ من الكتاب والسنة بقوة الدليل، دستور يضمن وحدة الأمة وعيشها بالإسلام، في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة، حياة في طاعة الله، ترضيه سبحانه وتعالى، ليرفع عنا بفضله البلاء والغلاء، فنعود خير أمة أخرجت للناس.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو إبراهيم/ يعقوب إبراهيم