- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2025-10-15
جريدة الراية:
المناورات العسكرية
لتطوير جيوشنا أم لاختراقها؟!
أصبح من الأمور الشائعة أن نسمع عن عقد مناورات عسكرية بين جيوش المسلمين والغرب، فقد عقدت في نيسان/أبريل إلى أيار/مايو 2025 مناورات الأسد الأفريقي في المغرب وهو تمرين سنوي مشترك بين الجيشين الأمريكي والمغربي، بدأ عام 2004، ويُعدّ الأكبر من نوعه في قارة أفريقيا، وشارك في نسخته لهذه السنة أكثر من 10 آلاف جندي من أكثر من 50 دولة من بينهم سبع دول من حلف الناتو وشارك فيه كيان يهود كذلك.
وفي الفترة نفسها تقريباً عقدت مناورات إنيوكوس في اليونان من 31 آذار/مارس إلى 11 نيسان/أبريل 2025، وهي مناورات جوية سنوية تديرها القوات الجوية اليونانية، الهدف منها تدريب القوات الجوية المشاركة على العمليات الجوية المشتركة والقيام بمهام متنوعة في بيئة قتالية واقعية. وشهدت هذه المناورات مشاركة قطر والإمارات إلى جانب الولايات المتحدة وكيان يهود، وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا والهند ودول أخرى.
كما عقدت مؤخراً من 28 آب/أغسطس إلى 10 أيلول/سبتمبر 2025 مناورات النجم الساطع بين مصر والولايات المتحدة - تُنظَّم كل عامين تقريباً - بمشاركة 44 دولة بصفة رسمية أو مراقب، ونقلت بعض المصادر أن عدد الجنود المشاركين فيها بلغ 8000 جندي. وشملت المناورات تدريبات ميدانية، ومناورات إنزال جوي، وتدريبات بحرية، ومكافحة الإرهاب، وإنقاذ طبي (الإخلاء الجوي)، وتأمين الموانئ، وتدريبات قيادة، وتمارين مشتركة للقوى الجوية والبرية، وشارك فيها كبار القادة العسكريين المصريين في متابعة وتمكين تنفيذ التمارين الميدانية.
والسؤال: ما هي الفائدة المرجوة من مثل هذه المناورات؟
لا شك أن أي تدريب كان، هو مفيد، ولذلك فإن تدريب الجيوش يرفع من قدراتها العسكرية وخبراتها القتالية، وأن احتكاكها بغيرها من الجيوش المتطورة يعطيها فكرة عما وصلت إليه تلك الجيوش، ولكن هل يُعقل أن تهدف الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكيان يهود فعلاً إلى رفع القدرات القتالية لجيوش البلاد الإسلامية؟! لقد سمع الجميع مؤخراً تصريحات المبعوث الأمريكي للشام توم براك وهو يقول علانية إن تسليح الجيش اللبناني إنما هو لقتال حزب إيران في لبنان حصراً، وسمع الجميع أن الطائرات الأمريكية مزودة بشيفرات لا تسمح باستعمالها إلا بإذن أمريكا، وما ينطبق على الطائرات ينطبق مؤكداً على منظومات الصواريخ وغيرها من الأسلحة، ورأينا كذلك كيف قصفت طائرات كيان يهود الدوحة عاصمة قطر دون أن تعترضها الدفاعات الجوية القطرية، وصرح رئيس وزراء قطر أنها لم تستطع كشف الطائرات المهاجمة. وعليه فلا يمكن لعاقل أن يصدق أن أمريكا ودولة يهود حريصتان على رفع الكفاية والجهوزية العسكرية للجيوش العربية.
فما الهدف من هذه المناورات إذن؟
بالمتابعة الدقيقة يتبين أن لهذه المناورات هدفين رئيسيين؛ الهدف الأول تجاري لترويج أسلحتهم ببيان قوتها ونجاعتها ميدانياً كمقدمة لعقد الصفقات، والآخر وهو الأخطر، وهو الاختراق وربط العلاقات. فالمشاركة في هذه المناورات تكشف للكل سلسلة القيادات الفعلية والعملية والتنظيم الإداري للجيوش، وكيفية عملها وكيفية انتقال الأوامر، زيادة على الكشف عن إمكانياتها ومهارة المقاتلين ومستوى تدريبهم وطبيعة ونوعية الآليات والأجهزة المستخدمة ونقاط ضعف الأفراد والأجهزة والتنظيم الإداري. كما تعدُّ هذه المناورات فرصة مثالية للالتقاء بالضباط والقادة والاحتكاك بهم شخصياً لعقد الصداقات معهم والتعرف عليهم عن قرب، وربط قنوات الاتصال المباشر معهم، ومعرفة ميولهم وأفكارهم وأهوائهم، تمهيداً لتحديد من يمكن اختراقه وتجنيده، ومن يشكل خطراً عليهم ويجب إقصاؤه.
إن هذه المناورات هي كنزٌ من المعلومات الثمينة لأجهزة المخابرات الأجنبية تمكنها من فهم أمور من المفروض أنها من الأسرار العسكرية للدول التي يجب أن تحاط بِحجب سميكة من السرية، لكننا نقدمها لهم بكل سهولة ويسر، وبشكل دوري لكي يستطيعوا تحديث بياناتهم باستمرار، بل لعلَّنا نساهم في تمويلها كي نخفف من أعبائها المالية عليهم!
إن بلادنا مخترقة ليس لكفاية ومهارة أجهزة المخابرات الأجنبية فحسب، ولكن لأننا نفتح لهم الباب مشرعا ونهتك ستر أجهزة حساسة واستراتيجية ونقدمها لهم على أطباق من ذهب ليرتعوا فيها كما يحلو لهم، وما هذا إلا لأننا فقدنا الإمام الحامي، والدرع الواقي، وأصبحنا بلا جُنَّةٍ، قال رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام: «وَإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» متفق عليه.
بقلم: الأستاذ محمد عبد الله
المصدر: جريدة الراية