- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2025-10-15
جريدة الراية: قمة منظمة شنغهاي للتعاون 2025
النتائج والمخرجات
شهد الأسبوع الأول من أيلول/سبتمبر 2025 سلسلة من الأحداث الدبلوماسية المهمة في الصين. حيث استضافت الاجتماع الخامس والعشرين لمجلس رؤساء دول منظمة شنغهاي للتعاون في مدينة تيانجين شمالا في الأول من أيلول/سبتمبر 2025. وبعد قمة رؤساء الدول، عُقد اجتماع بعنوان "منظمة شنغهاي بلس" تحت شعار "تحويل التعددية إلى عمل، ضمان الأمن الإقليمي، وتعزيز التنمية المستدامة". وقد ترأس كلتا القمتين رئيس الصين شي جين بينغ. وفي 3 أيلول/سبتمبر 2025، أقيم في بكين عرض عسكري هو الأكبر منذ ست سنوات لإحياء الذكرى الثمانين للانتصار على الإمبراطورية اليابانية ونهاية الحرب العالمية الثانية.
وجاء في "إعلان تيانجين 2025" الصادر في ختام قمة رؤساء الدول بمنظمة شنغهاي للتعاون، التعبير عن القلق إزاء الاضطرابات الجيوسياسية والجيواقتصادية التي تسببت بها أمريكا. وجاء فيه: "إن المواجهات الجيوسياسية تتصاعد، ما يشكّل تهديدات وتحديات لأمن واستقرار العالم ومنطقة منظمة شنغهاي. والاقتصاد العالمي، وخاصة التجارة الدولية والأسواق المالية، يتعرض لصدمة شديدة". ورداً على التكتلات التي تقودها أمريكا وسياساتها الخارجية العسكرية تجاه الصين وحلفائها، أكد الإعلان: "إن الدول الأعضاء تجدد معارضتها لمعالجة القضايا الدولية والإقليمية الساخنة من خلال التفكير التكتلي التصادمي... وتشدد على أن التعاون في إطار منظمة شنغهاي سيضع الأساس لبناء هيكل أمني متساوٍ وغير قابل للتجزئة في أوراسيا".
وفي قمة شنغهاي بلس، عرض الرئيس الصيني رؤية الصين لنظام عالمي "مستقر وسلمي". واقترح مبادرة جديدة بعنوان "مبادرة الحوكمة العالمية" كبديل لما تصفه الصين بسياسة التكتلات وعقلية الحرب الباردة التي تمارسها أمريكا. وترتكز المبادرة على ثلاثة أعمدة: أولوية الأمم المتحدة والقانون الدولي، تنسيق العمل العالمي من خلال منظمة شنغهاي، واعتماد التعددية بدل الأحادية التي تنتهجها بعض القوى الكبرى.
وحضر قمة شنغهاي بلس قادة الدول الأعضاء، والدولة المراقب منغوليا، وشركاء الحوار وهم: أذربيجان، أرمينيا، كمبوديا، المالديف، ميانمار، نيبال، تركيا، مصر، إضافة إلى مندوب الدولة المضيفة تركمانستان، إندونيسيا، لاوس، ماليزيا، وفيتنام، فضلاً عن رؤساء الهيئات التنفيذية للأمم المتحدة، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ورابطة الدول المستقلة، وآسيان، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومؤتمر التفاعل وبناء الثقة في آسيا، ومنظمة التعاون الاقتصادي، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
أما الحدث الثالث والأخير في بكين فكان عرض النصر العسكري بمناسبة الذكرى الثمانين للانتصار على الإمبراطورية اليابانية ونهاية الحرب العالمية الثانية. وبخلاف دورة العروض العسكرية التقليدية المرتبطة بالاحتفالات العشرية، كان هذا العرض هو الرابع الكبير الذي يشرف عليه الرئيس شي (بعد أعوام 2015 و2018 و2019) ويُعتبر الأكبر في تاريخ الحزب. كشفت الصين خلاله عن ترسانة ضخمة من الأسلحة بما في ذلك صواريخ نووية بعيدة المدى. ولم يكن العرض مجرد استعراض لما حققته الصين في الماضي، بل كان رسالة حول الوجهة التي تتجه إليها البلاد في مجال التحديث العسكري.
من جهته، سارع رئيس أمريكا ترامب إلى التقليل من أهمية العرض العسكري الصيني ومن خطر محور الصين روسيا، قائلاً: "لدينا أقوى جيش في العالم وبفارق كبير. لن يجرؤوا على استخدام قوتهم العسكرية ضدنا لأن ذلك سيكون أسوأ ما يمكن أن يفعلوه". وقد كان ترامب متهاوناً تجاه تهديد الصين لأنه يدرك جيداً أنها لا تملك الإرادة السياسية لمواجهة أمريكا عسكرياً في الوقت الراهن.
ورغم أن الصين بعثت برسائل دبلوماسية وعسكرية قوية عبر قمة منظمة شنغهاي والعرض العسكري، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة في إزاحة أمريكا كقوة مهيمنة. فبرغم التقدم الاقتصادي والعسكري الكبير خلال العقدين الماضيين، فإن الصين غير راغبة في تحدي النظام الليبرالي الذي تقوده أمريكا. ولم تنجح بعد في تحويل قوتها الاقتصادية إلى نفوذ سياسي قادر على زعزعة أسس القوة الأمريكية. وتظل الصين قوة براغماتية تهيمن عليها التيارات الإصلاحية/الاقتصادية في الحزب الشيوعي الصيني، التي تعطي الأولوية للتفاهم مع أمريكا، بخلاف التيار الماوي المتشدد. وتستخدم الصين قوتها الصلبة فقط في سياق دفاعي/رد فعلي حين تتحدى أمريكا خطوطها الحمراء علناً، كما في قضية تايوان وبحر الصين الجنوبي.
وقد أكدت عدة تصريحات للقيادة الصينية خلال السنوات الماضية رغبة الصين في التعاون مع أمريكا لتحقيق نتائج "عادلة للطرفين". فمثلاً، جاء في بيان وزارة الخارجية الصينية حول مكالمة هاتفية بين الرئيسين الصيني والأمريكي: "شدد الرئيس شي على الأهمية الحيوية للعلاقات الصينية الأمريكية. إن الصين والولايات المتحدة قادرتان تماماً على مساعدة بعضهما البعض على النجاح والازدهار معاً لصالح البلدين والعالم بأسره. ولتحقيق هذه الرؤية، يحتاج الجانبان إلى العمل بجد وبالاتجاه نفسه، من أجل تحقيق الاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، والتعاون المربح للطرفين. وقد عكست المشاورات الأخيرة بين المسؤولين الصينيين والأمريكيين روح المساواة والاحترام والمنفعة المتبادلة".
كما تجنبت الصين تحويل منظمة شنغهاي للتعاون إلى "ناتو آسيوي". إذ يقتصر جدول أعمال المنظمة الأمني على مكافحة الإرهاب والانفصالية، ما يجعلها منظمة ذات توجه داخلي. علاوة على ذلك، فإن معظم أعضاء المنظمة حلفاء لأمريكا أو وكلاء لها ومتوافقون مع استراتيجيتها، الأمر الذي يمنع المنظمة من أن تصبح تكتلاً مناهضاً لأمريكا حتى لو حاولت الصين تغيير اتجاهها مستقبلاً. ومن المرجح أن تواصل الصين الترويج لتكتلات مثل منظمة شنغهاي وبريكس كبدائل للنظام الأمني والاقتصادي الغربي، لكنها ستظل في الجوهر نمراً من ورق.
كيف يجب أن تستجيب البلاد الإسلامية لهذه التطورات؟
حكام المسلمين عديمو البصيرة يريدون إما أن يجعلونا تابعين لأمريكا أو الصين، أو أن يتبنوا موقف الحياد بلا معسكر. وكلتا الحالتين نتاج عقلية انهزامية. يجب على المسلمين أن يدركوا أنه لا خير يُرتجى من أمريكا ولا من الصين. فكلاهما قوتان استعماريتان تشتركان في هدف إخضاعهم ونهب ثرواتهم. وعليهم أن يسعوا لإقامة الخلافة التي ستتعامل مع القوى الكبرى بالندية والقوة، ولن تكون جزءاً من أي تحالف يقوده الكفار سواء أكان منظمة شنغهاي أو الناتو أو بريكس. إن دولة الخلافة الراشدة ستقيم علاقاتها مع الأمم الأخرى على أساس الإسلام لا على ما يسمى بـ"المصالح الوطنية". ويجب على العناصر المخلصة في الوسط السياسي والطبقة الحاكمة في الأمة أن تتبنى الرؤية الإسلامية حتى تعود الدولة الإسلامية إلى الساحة الدولية كما كان الحال في ماضينا المجيد.
ولن يتحقق ذلك إلا عندما يُقدَّم الإسلام من خلال دولة على المستوى العالمي. دولة تكشف جرائم القوى الكبرى المعاصرة وتمنح البشرية بديلاً ربانياً يحررها من قيود العبودية وينشر العدل في أرجاء الأرض. قال سبحانه وتعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ محمد سَلجوق – ولاية باكستان
المصدر: جريدة الراية