- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2025-10-01
جريدة الراية: السودان بين تفشي الأمراض
وعجز حكومة الأمل!
قال وزير الصحة السوداني، هيثم محمد إبراهيم، إن عشرات الآلاف من السودانيين أصيبوا بحمى الضنك وأمراض أخرى، بينما تثقل الأمطار الموسمية كاهل البنية التحتية، والمستشفيات المتضررة من الصراع، وذكرت وزارة الصحة أنها سجلت أكثر من 2000 حالة إصابة بحمى الضنك على مستوى البلاد، خلال الأسبوع الماضي، وقال وزير الصحة، إن أنظمة رش المبيدات الحشرية تضررت، وإن استمرار الحرب لأكثر من عامين كان له تأثير مباشر في البيئة والصحة، وتراكم القمامة والنفايات، وتدمير مصادر المياه، ما خلق واقعاً جديداً ينتشر فيه البعوض بكثرة، وإن خفض المساعدات العالمية أعاق القدرة على علاج هذه الأمراض، شارحاً أن كلفة مواجهة عدد من الأوبئة التي تفشت في توقيت متزامن تصل إلى نحو 39 مليون دولار. (وكالة رويترز، 24 أيلول/سبتمبر 2025م).
إن الأوضاع الصحية المتردية، وتفشي الأمراض الفتاكة، وضيق ذات اليد، مع انعدام الأدوية والمستشفيات والخدمات الصحية، والغلاء الطاحن الذي خلف الأجسام النحيلة، التي أنهكها الجوع، وسوء التغذية، حيث لا يخلو منزل في الخرطوم من مصاب، حيث صارت الحمى ضيفاً ثقيلاً يفرض على الجميع امتحان البقاء، في واقع صحي منهار، ويزداد الطين بلة في فصل الخريف مع أخطاره التي يصعب على الحكومة تلافيها وهي في حالة الاستقرار، فكيف بها وهي في حالة الحرب حيث لا جهد يبذل في مجال إصحاح البيئة، ومكافحة نواقل الأمراض في كل عام؟ لكن عامنا هذا ليس كأي عام بسبب متلازمة الحرب والفقر والمرض التي اجتمعت على الناس، وليس لهم إلا الله إليه الملتجأ.
أما وزارة الصحة في حكومة الأمل وفي هذه الظروف المأساوية، فإنها مكتوفة اليدين يلفها عجز مطبق؛ فوزير الصحة يصرح للفضائيات بالعجز التام، فهو لا يملك إلا أن يعد ويحصي المرضى والموتى، ويستجدي الخارج، ويشير لتقصير الدعم الخارجي.
إن الفشل التام في إصحاح البيئة والقضاء على نواقل الأمراض؛ من بعوض وذباب، ما ترتب عليه هذه الأرقام الضخمة للمرضى، كل ذلك يدل على أن الدولة لا تقوم بأدنى درجات المسؤولية تجاه الناس لتهيئة البيئة بصورة عملية وجادة.
فالبعوض الناقل للمرض يتكاثر في المياه الراكدة في الشوارع، حتى تجف لوحدها، بما في ذلك داخل المنازل؛ بركاً من المياه الراكدة في أنحاء البلاد! ومع انقطاع مياه الشرب لجأ الناس إلى تخزين المياه في المنازل، بعد أن أدى القتال في العاصمة إلى تدمير شبكات الكهرباء والمياه وجميع الخدمات، وتنتشر النفايات، والبعوض يزداد عدداً ونوعاً، والأدوية والمسكنات معدومة، بل تباع في السوق السوداء، وسعرها الرسمي لا يتعدى الثلاثة آلاف! ولكنها تباع بـ15 ألفاً، والناس لا يملكون المال.
هذا المشهد يدل على حجم الإهمال وعدم المسؤولية عند الدولة، التي عودتنا أن لا تفكر في حلول إلا تلك التي لا تبذل فيها جهداً، فالناس مجرد أرقام للعد والإحصاء، وهي لا تكلف نفسها بأي تحرك لمعالجة الأوضاع، حتى الدعم الخارجي من الأدوية، فقد طاله الفساد، وأصبح من الطبيعي أن تجد دواءً مكتوبا عليه "يصرف مجاناً" لكنه يباع بأغلى الأسعار.
وتزيد وتيرة المرض والموت، ووزارة الصحة تركت عملها وأصبحت لا تملك إلا التحذير والنذير، فتحذر وتنذر الناس بتفشي الأوبئة، أما علاجها والسيطرة عليها فإن الدولة تتوهم أن لا دخل لها به!
إن كل ما نعانيه سببه واحد، هو تقصير الدولة في واجبها بوصفها دولة رعاية، وذلك ناتج عن تبني النظام الرأسمالي النفعي الجشع، الذي لا يعرف قيمة إنسانية ولا قيمة خلقية ولا يعرف رحمة ولا رعاية، هذا النظام الرأسمالي الجشع، الذي نحكم به أيضا ينظر للرعاية على أنها كلفة مادية لا تخصه، فأصبح العلاج والأدوية لمن يقدر على تكاليفها لا لمن يحتاجه! وإن تكفلت الدولة فهي تبيع وتشتري في صحة أهل البلد، عبر شركات التأمين الصحي، التي ليست للجميع بل لمن يملك الاشتراك الشهري، وهنا تسقط أرقام غير محسوبة، لا يهم مرضها ولا موتها ولا حياتها عند الدولة.
أما المستشفيات الاستثمارية الربحية، التي تتاجر بصحة الإنسان وحياته، مقابل زيادة أرباحها، وتحكمها في السوق، فقد نافست المستشفيات العامة التي أصبحت بلا فائدة.
إن الأمر جلي لا يحتاج لكثرة أدلة، فما مسنا ضر إلا والرأسمالية تقف من خلفه، ومن أمامه، وإن أردنا أن نتعافى من هذا النظام الرأسمالي السرطاني، فيجب أن ندفع الكلفة بالعمل الجاد للتغيير لإيجاد البديل الأصيل؛ نظام رب العالمين الذي أنزله رحمة للناس أجمعين؛ نظام الخلافة الذي بنى المستشفيات عندما كان الغرب في عصوره المظلمة، وتكفل بالعلاج المجاني للجميع بغض النظر عن أي انتماء.
إن دولة الخلافة هي التي ستضع المعايير العالمية للرعاية الصحية والأبحاث الطبية، بعيداً عن القيم النفعية والربحية، وستوجد نظام رعاية صحية يؤمن الاحتياجات الطبية لجميع الرعايا، بغض النظر عن العرق أو الدين أو المذهب، وسيتم إلغاء قوانين الحقوق الفكرية وبراءة الاختراع الجشعة في المجال الطبي، وفي كافة مجالات الحياة، ومن شأن ذلك إحداث ثورة فكرية في البحوث الطبية، فضلاً عن توفير العقاقير الطبية بأسعار في متناول الجميع. هذا غيض من فيض مناقب الخلافة، ولمثل هذا فليعمل العاملون، وإن غداً لناظره قريب.
بقلم: الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب) – ولاية السودان
المصدر: جريدة الراية