Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

Al Raya sahafa

 

2025-08-27

 

جريدة الراية:

مخطط حدود الدم

وجريمة انفصال دارفور

 

 

بعد السقوط المريب لمدن دارفور الكبرى وانسحاب قوات الجيش منها أمام استيلاء قوات الدعم السريع عليها، والحصار الخانق الذي تفرضه هذه القوات على آخر ولاية وهي شمال دارفور وحاضرتها الفاشر، مع عجز الجيش عن دحرها منها، ثم فجأة يأتي الحديث عن حكومة موازية بقيادتها في نيالا حاضرة جنوب دارفور التي تسيطر عليها، ومشاركة عملاء أمريكا مثل الحلو وتأييده لهذه الحكومة بل يكون نائباً فيها...

 

كل ذلك أثار في الأذهان ما ظل يردده حزب التحرير على الدوام أن هناك مخططاً واضحاً كامل الأركان لتسليم دارفور لقوات الدعم السريع برعاية وتغطية أمريكية تنفيذا لمخططها لتمزيق السودان بواسطة عملائها من قادة الجيش والدعم السريع كما حدث ذلك سابقاً في فصل الجنوب بواسطة عميليها البشير وجون قرنق.

 

ظهر مخطط حدود الدم مع تقرير عنوانه "حدود الدم"، وضعه الجنرال الأمريكي المتقاعد رالف بيترز مع خارطة جديدة للشرق الأوسط، نشر ذلك في المجلة العسكرية الأمريكية المتخصصة أرمد فورسز جورنال في عام 2006م، حيث قسّم هذا الجنرال المنطقة إلى دول سنية وشيعية وكردية، إضافة إلى ما سماه (دولة إسلامية) تضم الأماكن المقدسة مستقلةً عن السعودية، وما سمي بمملكة الأردن الكبرى ودويلات أخرى. وعلى حد زعمه فإن تقسيم المنطقة على أساس الطوائف والإثنيات بحيث تعيش كل طائفة أو قومية منفصلة عن غيرها في دولة سياسية مستقلة، من شأنه أن ينهي العنف في هذه المنطقة.

 

لكن يمكن القول إن مخططات الدول الاستعمارية لتمزيق بلاد المسلمين قديمة، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا كما حدث في اتفاق وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا، مارك سايكس وجورج بيكو، لتمزيق البلاد الإسلامية بعد هدم الخلافة في ما سمي باتفاقية سايكس بيكو 1916م، ثم دخلت أمريكا في هذا السباق الاستعماري، لإضعاف المسلمين، ونهب ثرواتهم، تحقيقاً لقاعدة فرق تسد. تستهدف ذلك عبر التقسيم والتفتيت بدعاوى تقرير المصير والحكم الذاتي والفيدرالية وما شابهها، وكذا استخدام ملف العرقيات الصغيرة والطوائف العرقية. ومن أبرز تلك المخططات حديثاً، مخطط برنارد لويس المفكر الصهيوني ومستشار الرئيس الأمريكي بوش الأب حيث استهدف تقسيم كافة البلاد الإسلامية في الثمانينات، ومنه تقسيم السودان لأربعة أقسام "دولة النوبة عاصمتها أسوان، دولة السودان في الوسط، دولة دارفور، ودولة جنوب السودان". ومع الأسف المنطقة الوحيدة التي نجح فيها هذا المخطط هي السودان عبر انفصال جنوبه.

 

لقد مهدت أمريكا لانفصال دارفور إبان حكم عميلها البشير عبر اتفاقية الدوحة التي سميت بـ"وثيقة الدوحة للسلام في دارفور" وقعتها الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة في 14 تموز/يوليو 2011م. وأخطر ما جاء فيها هو ما سمي بتقاسم الثروات والسلطة بين حكومة الخرطوم وحركات دارفور، ووضع الإقليم من الناحية الإدارية، حيث تقرر اللجوء للاستفتاء للحسم في هوية دارفور بين أن يكون إقليما واحدا أو ولايات. وبناء على اتفاق الدوحة، شكلت سلطة إقليمية في دارفور، ما يعني وضع دارفور في وضع خاص ميزت به عن بقية السودان. وهذا الذي حدث للجنوب سابقا قبل الانفصال.

ومما يؤكد تنفيذ مخطط تمزيق السودان تصريحات الرئيس المخلوع البشير وأركان حكمه بذلك؛

 

ففي 25/11/2017م نشر موقع سبوتنيك الروسي حوارا مع الرئيس البشير أثناء زيارته لروسيا وكان مما صرح به: (وقال الرئيس السوداني في مقابلة مع وكالة سبوتنيك، إن "الضغط والتآمر الأمريكي على السودان كبير… وتحت الضغوط الأمريكية انفصل جنوب السودان، يعني السودان انقسم. وشدد البشير على أن "الانقسام كان بضغط وتآمر أمريكي، والخطة الأمريكية هي تدمير السودان وتقسيمه إلى 5 دول").

 

ونشرت وكالة الأناضول بتاريخ 13/4/2017م (قال وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، اليوم الخميس، إن "فصل الجنوب كان في الأساس مؤامرة لكننا قبلنا بها". وذلك في اللقاء الصحفي الذي عقده وزير الخارجية غندور في المطار ردا على وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. وكان لافروف قال خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الأمريكي ريكس تيرلسون، أمس الأربعاء، إن "إدارة أوباما طلبت من حكومة عمر البشير الموافقة على تقسيم السودان إلى جزئين لمعالجة مشكلتها مقابل عدم تقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية". وأضاف أن "إدارة أوباما طالبت وقتذاك من الحكومة الروسية الحصول على موافقة الرئيس السوداني على الانفصال بالرغم من أنهم كانوا يرغبون رؤيته محاكماً أمام المحكمة الجنائية". وزاد: "انفصال الجنوب كان مشروعاً أمريكياً من قبل إدارة أوباما".

 

 وبتاريخ 21/11/2018م أوضح وزير خارجية السودان الدرديري محمد أحمد في حوار مع قناة فرانس24، فقال إن بلاده "ساعدت أمريكا في حل أكبر معضلة في المنطقة وهي جنوب السودان".

 

لذلك بدأت حرب 15 نيسان/أبريل 2023م بشكل مريب بين قوتين هما في الأساس صنيعة لجهة واحدة يتبع قادتها للنفوذ الأمريكي. ثم تسارعت الأحداث مع انسحابات الجيش أمام قوات الدعم السريع دون أسباب مقنعة. إلى أن وصلت الأحداث إلى احتلال كل مدن دارفور والآن تُحاصَر الأخيرة. ثم إنشاء حكومة منفصلة عن جسم البلاد ما يؤكد النية المبيتة لهذا المخطط القذر.

 

إن كل الأدلة والشواهد تؤكد أن عملاء أمريكا في السودان يعملون بقوة لتنفيذ مخطط تمزيق السودان مستغلين هذه الحرب وعدم وعي أهل البلاد على هذا المخطط القذر.

 

وجب على أهل السودان وخاصة أهل القوة والمنعة فيهم من ضباط الجيش وقادة الأمة ووجهائها بأن يقفوا سدا منيعا أمام هذا المخطط، ولا يكون ذلك إلا بتبني مشروع مبدئي يفضح هذا المخطط ويتبنى مصالح الأمة، ولا يكون ذلك إلا بمشروع الإسلام العظيم ودولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. فبها وحدها الحل والعلاج والمخرج. وآثم من انشغل بغيرها ومات دون بيعة شرعية لخليفة راشد يقيم الدين ويطبق الشرع، يقول النبي ﷺ: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». أخرجه مسلم.

 

 

بقلم: الأستاذ محمد جامع (أبو أيمن) 

 مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

 

 

 

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.