Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

Al Raya sahafa

 

2025-08-27

 

جريدة الراية:

صفقة الغاز بين مصر وكيان يهود

إقرار بالاغتصاب ونهب لثروات الأمة

 

 

 

في السابع من آب/أغسطس 2025، أعلن وزير الطاقة في كيان يهود إيلي كوهين عن توقيع ما وصفه بـ"أكبر صفقة في تاريخ إسرائيل" لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار، تشمل بيع نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز حتى عام 2040، أو حتى استيفاء الكميات المنصوص عليها في العقد. وقد أوضحت شركة "نيو ميد"، الشريكة في حقل ليفياثان المحتل، أن الصفقة ستتم على مرحلتين: الأولى تبدأ عام 2026 بكمية 20 مليار متر مكعب، والثانية تشمل 110 مليار متر مكعب بعد استكمال توسيع البنية التحتية وبناء خط أنابيب جديد عبر معبر نتزانا.

 

هذا الإعلان لم يأتِ من فراغ، بل هو امتداد لاتفاق سابق وُقع عام 2019 بين مصر وكيان يهود، وكان يشمل توريد 60 مليار متر مكعب من الغاز، تم بالفعل توريد أكثر من ثلثها. لكن الجديد اليوم هو أن الصفقة تضاعفت، وصارت أكبر صفقات التصدير في تاريخ كيان يهود.

 

هذه الصفقة ليست مجرد تجارة بين دولتين كما يصوّرها الإعلام الرسمي، بل هي إقرار ضمني باغتصاب يهود لفلسطين، بل ودعمه مالياً واستراتيجياً. فالغاز الذي سيصدره الكيان هو من حقول تقع في البحر الأبيض المتوسط، استولى عليها بالقوة بعد أن اغتصب أرض فلسطين. وعليه، فإن من يوقّع مثل هذه الصفقات إنما يقرّ عملياً بهذا الاغتصاب، بل ويمنحه شرعية إضافية من خلال التعامل الاقتصادي المباشر، بعد أن مكنه منها بترسيم الحدود الأخير.

 

إنها ليست تجارة حرة بين طرفين متكافئين، بل هي علاقة بين مغتصب لأرض وثروة المسلمين وبين سلطة في دولة مجاورة تمنحه الأموال مقابل أن يمدها بما نهبه! فهي صورة من صور التطبيع الاقتصادي، الذي لا يختلف في خطورته عن التطبيع السياسي والأمني، بل قد يكون أخطر، لأنه يربط حياة الناس ومعيشتهم اليومية بيد عدوهم.

 

تأتي هذه الصفقة في وقت تعاني فيه مصر من أزمة طاقة خانقة، حيث تراجع إنتاجها من الغاز من أكثر من 6 مليارات قدم مكعب يومياً عام 2021 إلى نحو 3.5 مليار قدم مكعب في 2025. أي أن البلاد التي كانت تتحدث قبل سنوات عن الاكتفاء الذاتي من الغاز والقدرة على التصدير، صارت اليوم مستوردة للغاز من عدوها التاريخي!

 

بهذا، يتحول كيان يهود إلى مزود رئيسي للطاقة لمصر، وهو ما يعني أن قرار مصر في قطاع استراتيجي مثل الطاقة صار مرتهناً به، وبما يفرضه من أسعار وسياسات. وهذا بحد ذاته يضع مصر في دائرة التبعية السياسية والاقتصادية، ويجعلها جزءاً من مشروع تحويل كيان يهود إلى مركز طاقة إقليمي في شرق المتوسط.

 

إن ما يحدث ليس مجرد تجارة غاز، بل هو إعادة رسم لخارطة النفوذ في المنطقة، حيث تُدفع مصر لتكون مجرد ممرّ أو وسيط لتصدير الغاز من كيان يهود إلى أوروبا عبر منشآت التسييل في إدكو ودمياط، بينما يتحول الكيان إلى المصدر الأساسي، ويجني الأرباح السياسية والاقتصادية، ويكسب الوقت والشرعية.

 

إن الغاز والنفط وسائر الموارد الطبيعية الكبرى ليست ملكاً للدولة أو الحاكم أو حتى للشعب كأفراد، بل هي ملكيات عامة للمسلمين جميعاً، كما ورد في حديث رسول الله ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَأِ، وَالنَّارِ». والغاز يدخل في معنى "النار" أي الطاقة، وهو من الموارد التي جعلها الشرع ملكاً للمسلمين، لا يجوز لفرد أو جهة أو دولة أن تحتكرها أو تتصرف فيها بما يخالف حق الأمة فيها.

 

وعليه، فإن توقيع مثل هذه الاتفاقيات مع كيان مغتصب للأرض، ليبيع ثروات هي في أصلها ملك للأمة، هو جريمة مضاعفة؛ لأنها اعتراف بالمغتصب وتمويل له. ولأنها تسلب الأمة حقها في ثرواتها التي يجب أن تُدار لخدمة مصالحها، لا أن تُباع بثمن بخس لعدوها.

 

لقد جعل الإسلام للدولة واجباً في رعاية هذه الملكيات العامة، بحيث تُدار من قبلها لمصلحة الأمة كلها، ويُصرف ريعها على حاجاتها الأساسية من تعليم وصحة وبنية تحتية وجهاد، لا أن تتحول إلى مصدر ثراء للعدو المحتل.

 

إن مثل هذه الصفقات هي باطلة شرعاً من أساسها، لأنها تقوم على التعامل مع كيان يهود كدولة شرعية، بينما هو كيان اغتصب أرض المسلمين ويجب أن يُعامل بوصفه كيانا محاربا وجوداً لا مجرد عداوة سياسية. ولما فيها من إهدار ثروة الأمة عبر تمكين عدوها منها وتمويل اقتصاده بها. إلى جانب كونها إدخال الأمة في دائرة التبعية، حيث تصبح حاجاتها الأساسية رهينة بيد عدوها.

 

ومن هنا، فإن الواجب على الأمة هو رفض هذه الاتفاقيات جملة وتفصيلاً، والعمل على استرداد الأرض والثروة بالقوة لا بالتوقيع على عقود بيع وشراء. فالثروات الإسلامية لا يجوز أن تكون في يد الكيان المغتصب أصلاً، وإنما الواجب أن تُحرر الأرض بما فيها من موارد، وتُعاد لإدارة الدولة الإسلامية التي تحكم بالإسلام.

 

لقد حرم الشرع مثل هذه الصفقات لما فيها من اعتراف كامل بكيان يهود كدولة واعتبارها جارة وربط اقتصاد البلاد بها، بينما أي تعامل مع هذا الكيان؛ اقتصادي أو سياسي أو أمني، هو حرام شرعاً، لأنه اعتراف باغتصابه لأرض المسلمين. كما يحرم الإسلام تمويله أو دفع الأموال له، سواء مقابل غاز أو غيره، فهو تمويل مباشر لاغتصابه وعدوانه. فالواجب ليس شراء الغاز من الكيان، بل استرداد الحقول التي اغتصبها، وإعادتها إلى ملكية الأمة. والمطالبة بدولة تطبق الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تدير هذه الثروات باعتبارها ملكيات عامة للمسلمين، وتوجهها لتحقيق مصالحهم ورعاية شؤونهم، وللجهاد في سبيل الله.

 

إن صفقة الغاز بين مصر وكيان يهود ليست مجرد صفقة اقتصادية، بل هي إقرار بالاغتصاب ودعم للمغتصب، وهي نهب لثروات الأمة وتضييع لحقوقها. وهي امتداد لنهج الحكومات التي تربط مصالح الناس وأمنهم الغذائي والطاقي بعدوهم، فتجعل الأمة مكبلة اقتصادياً وسياسياً برباط الخيانة والتبعية.

 

والحل ليس في تحسين شروط هذه الصفقات أو البحث عن بدائل استيراد مؤقتة، بل في اقتلاع هذا الكيان من جذوره وتحرير فلسطين كاملة، وإقامة دولة الخلافة التي تدير ثروات الأمة بما يرضي الله، وتعيد لها سيادتها، وتضع مقدراتها في خدمة نهضتها وجهادها، لا في خدمة عدوها.

 

فالأمة أمام خيار واضح: إما أن تبقى مرتهنة لعدوها عبر هذه الصفقات، وإما أن تتحرك لإسقاط الأنظمة التي فرطت في أرضها وثرواتها، وإقامة دولة الإسلام التي تحفظ الحقوق وتحرر الأرض وتعيد للأمة عزتها وكرامتها من جديد؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة.

 

﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾

 

بقلم: الأستاذ سعيد فضل

 عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.