Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بعثة الأمم المتحدة السياسية المتكاملة وبناء السلام في السودان

حتى لا نقع فريسة للتضليل

 

بتاريخ 2020/01/27م أرسل رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك، خطاباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يطلب إنشاء بعثة سياسية تحت الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة، تكون لها الولاية على كامل أراضي السودان بتفويض من مجلس الأمن، وقد ورد في خطابه: (يطلب السودان من الأمم المتحدة أن تسعى إلى الحصول على ولاية من مجلس الأمن لإنشاء عملية لدعم السلام بموجب الفصل السادس في أقرب وقت ممكن في شكل بعثة سياسية خاصة تضم عنصرا قويا لبناء السلام وينبغي أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان). أما صلاحيات هذه البعثة فهي على النحو الآتي: (المساعدة في تعبئة المساعدات الاقتصادية الدولية للسودان، وتيسير المساعدة الإنسانية الفعالة في جميع أنحاء السودان، وتقديم الدعم التقني في وضع الدستور والإصلاح القانوني والقضائي، وإصلاح الخدمة المدنية، وقطاع الأمن، ودعم إعادة المشردين داخليا واللاجئين إلى أوطانهم، وإعادة إدماجهم، وتحقيق المصالحة بين المجتمعات المحلية، وتحقيق مكاسب السلام، والعدالة الانتقالية، وحماية المدنيين، وبناء قدرات قوة الشرطة الوطنية بطرق منها نشر مستشارين من شرطة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي). (صحيفة القدس العربي 2020/02/09م). وبالرغم من أن خطاب حمدوك هذا قد ضربت حوله سياجات من السرية إلا أنه تسرب إلى وسائل الإعلام بالتاريخ أعلاه، فأثار لغطاً كثيفاً وجدلاً عارماً في الساحة السياسية وفي وسائل الإعلام، ولما كان هذا المضمار؛ العمل السياسي مظنة الخطأ والزلل فيه كبيرة ومظنة الوقوع فريسة للتضليل أيضا كبيرة إلا لمن ينطلق من قاعدة فكرية قطعية الأساس توفر لصاحبها الحقائق العاصمة من التضليل ليرى الواقع بمنظار الوعي السياسي، لذلك فإنني أحاكم الموضوع من خلال الحقائق الآتية:

 

أولاً: خطاب حمدوك إنما هو نقل لصلاحيات الحكومة الانتقالية؛ مجلس السيادة ومجلس الوزراء، نقلها إلى البعثة السياسية بتفويض من مجلس الأمن؛ فمثلاً من صلاحيات البعثة، حماية المدنيين، وبناء قوات الشرطة وإصلاح القضاء والخدمة المدنية وقطاع الأمن وحتى القوانين، والإشراف على وضع الدستور، وتحقيق العدالة الانتقالية، ولا شك أن هذه الصلاحيات هي عمل الحكومة الذي أدت القسم من أجل القيام به. أضف إلى ذلك أن تداخل هذه الملفات بين صلاحيات الجهاز التنفيذي وصلاحيات مجلس السيادة سيجعل من مجلس الأمن الدولي حكماً في النزاع بين المدنيين والعسكر وساحة للصراع بينهما.

 

ثانياً: ما هي حقيقة الأمم المتحدة ومجلس أمنها اللذين يسعى حمدوك للاحتكام إليهما؟ ولتسليمهما أمر البلاد والعباد؟ نشأت الأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1945م بتوقيع 51 دولة مؤسسة على ميثاق المنظمة، غير أن المنظمة كانت فعلياً تمثل مصالح أمريكا بالدرجة الأولى والأربعة الكبار الآخرين بنسب متفاوتة، حيث يمتلك الخمسة الكبار؛ أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين حق الفيتو؛ أي لا يمرر أي مشروع قرار عبر مجلس الأمن بموافقة؛ إلا بعد أن يضمن مصالح هؤلاء الخمسة؛ لذلك فهي من أدوات الدول الاستعمارية الكبرى خاصة أمريكا وبريطانيا وفرنسا، والاستعمار ليس مجرد حقبة تاريخية كما يتصور البسطاء، بل هو طريقة من جنس فكرة مبدئية؛ هي المبدأ الرأسمالي الذي تعتنقه هذه الدول وبضبط أفعالها وتصرفاتها في حلبة الصراع الدولي، فالاستعمار هو فرض الهيمنة العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الفكرية على الشعوب المستضعفة لاستغلالها؛ لذلك فإن الأمم المتحدة قولا واحداً هي منظمة استعمارية، فهل يعقل أن يستأمن الراعي الذئب على الغنم يرجو فلاحها وصلاحها؟!!!

 

ثالثاً: إن أهل السودان مسلمون، والمسلمون يحرم عليهم الاحتكام إلى غير الوحي؛ الكتاب والسنة وما أرشدا اليه، لذلك يحرم عليهم الاحتكام إلى الأمم المتحدة، وأن يجعلوا لها سبيلاً عليهم بوصفها منظمة كفر، تقوم على غير أساس الإسلام أي طاغوتاً. يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْـزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيداً﴾ ولخطورة الأمر فإن الله سبحانه وتعالى نفى الإيمان عن من يحتكم إلى غير منهجه فقال جل من قائل: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ ويقول سبحانه: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾، فكيف لمسلم بعد ذلك أن يضبط بوصلته على الأمم المتحدة وبعثتها يرجو منهما صلاح البلاد والعباد؟!

 

رابعاً: إن ميثاق الأمم المتحدة عبارة عن نصوص تشريعية عامة فضفاضة تتخفى في داخلها مطامع الدول الاستعمارية كلٌّ يفسرها بما يحقق مصلحته، فإن توافقوا انقضّوا على الفريسة فتركوها أثراً بعد عين، فالذين يتحدثون عن أن السودان كان تحت الفصل السابع؛ بعثة اليوناميد ويريد حمدوك نقله إلى الفصل السادس الخالي من استخدام القوة العسكرية بهذه البعثة؛ نقول لهم لماذا إذاً طلب حمدوك حماية المدنيين؟ وكيف ستحمي البعثة المدنيين من غير تفويض باستخدام القوة العسكرية؛ الفصل السابع؟ ومن ألاعيب المستعمرين في استخدام ميثاق الأمم المتحدة ما قاله سكرتيرها السابق داغ هيمرشيلد عندما سئل تحت أي فصل في الميثاق أنشأ بعثة الأمم المتحدة في الكونغو؟ فأجاب: أنشأتها تحت الفصل السادس والنصف، ويبدو أن هذا الخبث هو الذي ساقه إلى حتفه بتفجير طائرته في سماء الكونغو عام 1961م.

 

خامساً: بتعليمات من السفارة البريطانية، ملأ حمدوك بخطابه إلى الأمين العام للأمم المتحدة الطلب، وعندما تسرب الخطاب من مكتب حمدوك، انزعج سفير بريطانيا الخبيثة بالخرطوم، نقل موقع تاق برس قول السفير البريطاني: (تسريب مسودة مشروع القرار في هذا الوقت عمل غير مسؤول للغاية، ما يجعل إجازة مشروع القرار في مجلس الأمن أمراً صعباً، كما تابعتم فإن تسريب مسودة مشروع القرار ونشرها في عناوين صحف الخرطوم، أدى إلى حملة انتقادات عنيفة على الحكومة السودانية، أود أن أكون واضحاً، إنها مسودة مشروع قرار أولية تعكس أفكاراً أولية لبريطانيا وألمانيا، ولم نطلع الحكومة السودانية عليها بعد، وليس للحكومة السودانية أي إسهام فيها، ولا يمكن الادعاء بأنها تعكس وجهة نظر الحكومة السودانية، أو تحظى بدعمها)! على خلفية التسريب اجتمعت أطراف الحكم في السودان؛ حكومة حمدوك ومجلس السيادة وقوى الحرية والتغيير، وتوافقوا على صيغة أكثر تحديداً للمطلوب من البعثة السياسية، ورفع خطاب جديد بتاريخ 2020/02/27م، وبدلاً من أن يحل الخطاب الثاني محل الأول السابق أبقي على الخطابين، لتتقدم عرابة خطة البعثة السياسية؛ بريطانيا الخبيثة تسوق معها ألمانيا لحشد الدعم الأوروبي، تتقدم بمشروع القرار إلى مجلس الأمن بصياغة خبيثة ليصدر قرار المجلس بالصياغة الآتية:

 

"وإذ يحيط علما برسالتين من حكومة السودان موجهتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 27 كانون الثاني/يناير 2020م و27 شباط/فبراير 2020م، يقرر مجلس الأمن:

 

"يقرر إنشاء بعثة سياسية لدعم السلام وبناء السلام تعرف باسم بعثة الأمم المتحدة السياسية المتكاملة وبناء السلام في السودان ابتداء من 1 أيار/مايو 2020م ولمدة أولية مدتها 12 شهراً".

 

يقرر "أي مجلس الأمن" كذلك أن يكون لدى البعثة الأهداف الاستراتيجية التالية:

 

1/ الانتقال السياسي والحكم الديمقراطي والسلام المستدام

 

أ. دعم ومساعدة الجهود الوطنية السودانية لتنفيذ الإعلان الدستوري، بما في ذلك الرصد المنتظم والإبلاغ عن التقدم المحرز في تنفيذه؛

 

ب. تقديم الدعم الفني لعملية صياغة الدستور، والتحضير للانتخابات، والإصلاح القانوني والقضائي وإصلاح قطاع الأمن.

 

2/ عملية السلام وتنفيذ اتفاقات السلام المقبلة

 

إلى جانب بذل المساعي الحميدة ودعم مفاوضات السلام السودانية؛ تقديم دعم قابل للتوسع، في حالة طلب أطراف المفاوضات، لتنفيذ أي اتفاقات سلام مستقبلية، بما في ذلك دعم المساءلة والعدالة الانتقالية وكذلك مراقبة وقف إطلاق النار المحتمل والتحقق منه ونزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. مع التركيز بشكل خاص على النيل الأزرق وجنوب كردفان (المنطقتين) ودارفور

 

3/ بناء السلام وحماية المدنيين وتعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون"...

 

سادساً: سوف تكون ساحة مجلس الأمن الدولي، هي حلبة الصراع بين الدول الاستعمارية؛ بريطانيا ومعها الدول الأوروبية من كفة، وأمريكا من الكفة الأخرى، حول تشكيل البعثة؛ من يكون على رأسها وما هي تفاصيلها، وإن كانت بريطانيا هي صاحبة الكلمة الأولى، إلا أن أمريكا سريعا ما تحركت، باتصال وزير خارجيتها مايك بومبيو بالبرهان، حيث بحث معه من ضمن قضايا أخرى مشروع قرار مجلس الأمن، بحسب موقع باج نيوز الإخباري بتاريخ 2020/04/27م، وقد دفعت أمريكا بأهم أدواتها الإقليمية؛ الاتحاد الأفريقي. أورد موقع صحيفة القدس العربي يوم 2020/04/29 الخبر الآتي: (قال مبعوث الاتحاد الأفريقي لدى السودان، السفير محمد بلعيش، إن الاتحاد مستعد لدعم طلب رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إنشاء بعثة سياسية أممية في بلاده، جاء ذلك حسبما نقله وزير الدولة بالخارجية السودانية عمر قمر الدين، عن بلعيش، في تصريحات متلفزة أدلى بها عقب لقاء جمعهما). إلا أنه على ما يبدو فإن الإنجليز يسبقون الأمريكان بخطوات في سبيل التحضير لهذه البعثة؛ لأن تعيين السفير بلعيش مبعوثاً إلى السودان تم قبل حوالي شهر فقط، علماً بأن الرجل هو أحد مهندسي اتفاق الصخيرات المتعلق بليبيا وكان يشرف على تنفيذه بوصفه سفير المغرب في ليبيا إلى تاريخ تعيينه مبعوثاً إلى السودان بتاريخ الخميس 2020/03/26م بحسب موقع الراكوبة.

 

سيظل السودان خلال الفترة الانتقالية هذه، ساحة للصراع السياسي بين قطبي الاستعمار الدولي؛ بريطانيا وأوروبا من جهة، وأمريكا من الجهة الأخرى، وستظل قضايا السودان في أي محفل مادة لهذا الصراع الدولي، إلى أن يأذن الله بفجر الخلاص، حيث تقتلع جذور الكافر المستعمر من بلادنا، وتتحرر أمتنا بمبدأ الإسلام العظيم تطبقه دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي أظل زمانها: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المبارك عبد الله – ولاية السودان

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.