الخميس، 18 رمضان 1445هـ| 2024/03/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 (سلسلة أجوبة العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

 

جواب سؤال: حول قبول الحديث وردّه

 

إلى  Mohamed Mahmoud Sarhan

 

 

 

السؤال:

 

 


ليس هذا بسبيل المحققين في سبر أغوار حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم...

 


ليس من باب العلم ولا الفضل ولا التواضع، أن تقوموا بحذف التعليقات التي تعترض على الفتيا أو على جانب منها؛ رغم عدم تجاوزها أدبا وعلما؛ مكتفين بعبارة (فلان: وصل تعليقكم)، هديُ مَنْ هذا؟ أم هو ضرب من التعصب الأعمى لشخص الشيخ وتأليهه فيما يرى أو يقول؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

 


اتقوا الله والتزموا نهج العلماء؛ يرد العلم بالعلم، لا بحذفه وإهماله تعصبا أو ترفعا.) انتهى

 

 

الجواب:

 

 


(مع أنك لم تبدأ سؤالك بالسلام، بل بالخصام، إلا أننا نبدأ الجواب مفترضين أنك سلّمت في قلبك على الأقل! ونبدأ جوابنا:

 


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 


1- على الرغم من أن "الآدمن" قد أجابك، وذكَّرك برسالتي لزوار الصفحة بأن يلتمسوا لنا عذراً لو تأخرنا في الجواب إلا أنك عدت ترسل سهامك وتتنقل من مكان إلى مكان تسأل وتسأل، بل تهاجم وتهاجم، فوصلت إلى صفحة الكنانة، فأرسلت إليهم بنهجك نفسه... وتقول وتقول، ومع ذلك فقد أجابك صاحب الصفحة ونقل لك من أقوال العلماء ما كان يكفيك، لكنك عدت تصول وتجول، وكأن بيننا وبينك خصاماً وخصاما...! مع أن الذي يسأل ليعرف الحق ويسعى إليه بحق ليهتدي ويصل إلى الصواب، مثل هذا يسأل بخير وعلى خير... يسأل سؤال طالب العلم الذي يحترم من يسأله، وحتى لو ظن في نفسه أنه عالم، فينهج في سؤاله نهج أولي العلم...

 

 

2- لقد عجبت من أمرك، وتهجمك الملحّ على جوابنا عن حديث "أصحابي كالنجوم..."! لقد شُغِلتُ بعض الوقت عن الصفحة... ثم وصلني تعليقك حول الحديث المذكور، فوجدتك تنتقد يمنة ويسرة، وتضرب خبط عشواء، فتقول "الحديث منكر المتن..." وتعلل ذلك بأن الاقتداء بالصحابة لا يصح مع وقوع الخلاف بينهم في المسألة! أفلا تعلم أن كل صحابي مجتهد، ويجوز تقليده في الحكم الشرعي حتى ولو اختلفوا؟ ألم يقلد المسلمون أبا بكر في اعتبار الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة؟ ثم لما جاء عمر فاعتبره ثلاثاً أي بينونة كبرى، فقلده المسلمون في ذلك؟ وليس هذا فقط بالنسبة لتبني الإمام، بل يجوز تقليد أي مجتهد على وجهه وبشروطه في غير ما تبناه الإمام... ثم ألم تدرس في كتب الفقه فتجد في المسألة الواحدة عند المجتهدين آراء مختلفة، ومع ذلك يجوز تقليدهم لأن كلاً منهم قد استنبطها من كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما أرشدا إليه وفق ما غلب على ظن كل واحد منهم؟

 


هل يخفى هذا على طالب علم، أو على عالم إن أحببت لنفسك ذلك؟! هل الواجب أن يكون المجتهدون كلهم على رأي واحد في المسألة؟ أو المهم هو أن يكون اجتهادهم مبنياً على كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفق أصول الاجتهاد؟ ألم تنظر إلى المسائل في كتب الفقه، إن كنت نظرت، فترى كيف تُستنبط الأحكام من الأدلة التي تصح عند أحدهم ولا تصح عند الآخر وفق منهجه في ترجيح الأدلة؟ وحكم المزارعة الذي ذكرته، ومن الفقهاء من يحله ومنهم من يحرمه وفق الأدلة الشرعية الراجحة لديه، هذا الحكم يكفيك للدلالة على أن آراء المجتهدين تختلف في المسألة، ويجوز لك على الوجه الذي أنت عليه أن تأخذ الحكم الشرعي: فإن كنت مقلداً أو متبعاً تقلد مجتهداً تطمئن بعلمه بعد معرفة دليله، أما إن رأيت في نفسك الاجتهاد والقدرة عليه وفق أصوله فاجتهد...

 

 

3- لقد أحببت أن أبدأ بما سبق لأنني فوجئت بحرصك على تصحيح الأدلة دون أن تتدبر علم الأدلة والاستدلال جيداً، فظننت أن الحديث إذا كان ضعيفاً عند هذا، فلا يمكن أن يكون صحيحاً أو حسناً عند آخر، ودار في ذهنك أنه إذا كان هذا التعريف للحسن عند هذا فلا يمكن أن يكون هناك تعريف آخر! مع أنك نفسك تقول في ردودك علينا في الصفحة، تقول: "إن الحسن عرّفه العلماء بما يزيد عن عشرة تعريفات"، وتضيف، "تعريف الخطابي انتقده العلماء"، و"تعريف الترمذي عليه من الاستفسار والنقول ما يفوق محاولات شرحه"، أي أن الخطابي وهو من هو، والترمذي الرجل الرجل في علم الحديث، لا يعجبانك، وأما تعريفنا للحسن فهو ليس لم يعجبك فحسب، بل تتهجم عليه. ليس هذا فحسب، بل إن حديثاً أخذ به الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة وينطبق عليه تعريفنا للحسن، ومع ذلك فإن هذا الحديث ليس بشيء عند محمد محمود سرحان! ويشتد اعتراضك عليه لأنك ترى أن الحديث حتى لو صح فهو يعني أنه يجوز تقليد الصحابي، وهذا أمر كبير عندك لأن الصحابي يختلف في المسألة مع صحابي آخر! سبحان الله، إن لله في خلقه شئونا!

 


وهكذا فلا تعريف الخطّابي يرضيك، ولا الترمذي يشفيك، وتعريفنا لا ينفعك، وحتى تقليد الصحابي لا يقنعك!

 


وبالمناسبة فكأنك تلميذ ذلك الذي ضعَّف نحو ثلاثين حديثاً في صحيح مسلم، ونحو خمسة عشر حديثاً في صحيح البخاري... وقد تكلمت مع أحد تلامذته متسائلاً كيف ذلك؟ والبخاري العالم الكبير في علم الحديث، ومسلم كذلك كبير في علم الحديث؟ أجابني وهل في ذلك شيء، كلنا بشر، والمهم السَّند! أيرضيك هذا؟ هل تضعيف الأحاديث وردُّها هكذا... يا صاحب الاسم الحسن "محمد"؟

 

 

4- إن قبول الحديث وردّه علمٌ لا يصح أن يلج بابه من لم يدركه على وجهه، ويحسن هنا أن أذكِّرك بشيء منه، هداك الله لأرشد أمرك فأقول:

 

 


أ- هنالك رواة يُعتبرون ثقة عند بعض المحدثين، ويُعتبرون غير ثقة عند البعض، أو يعتبرون من المجهولين عند بعض المحدثين، ومن المعروفين عند البعض الآخر. وهناك أحاديث لم تصح من طريق وصحت من طريق أخرى. وهنالك طرق لم تصح عند البعض وصحت عند آخرين. وهناك أحاديث لم تعتبر عند بعض المحدثين وطعنوا بها، واعتبرها محدثون آخرون واحتجوا بها. وهناك أحاديث طعن بها بعض أهل الحديث، وقبلها عامة الفقهاء واحتجوا بها. فإلزام الناس باعتبار الحديث صحيحاً أو حسناً برأي من الآراء هو إلزام غير صحيح، ومخالف لواقع الأحاديث... ومن اطلع على اجتهادات الفقهاء المعتبرين يجد هذا يحتج بحديث لا يأخذ به ذاك، لأنه صح عند الأول، ولم يصح عند الثاني، وترى ذاك عند الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم... فيجب التأني والتفكير في الحديث قبل الإقدام على الطعن فيه أو رده. والمتتبع للرواة وللأحاديث يجد الاختلاف في ذلك بين المحدثين كثيراً، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً:

 


ب- فمثلاً: روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ. يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ...» فراوي هذا الحديث عمرو بن شعيب، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيه مقال مشهور، ومع ذلك فقد احتج بحديثه كثيرون ورفضه آخرون...

 


ج- ومثلاً في الدارقطني عن الحسن عن عبادة وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا وُزِنَ مِثْلٌ بِمِثْلٍ إِذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا وَمَا كيلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ». هذا الحديث في إسناده الربيع بن صبيح وثقه أبو زرعة وضعفه جماعة... فإذا استدل أحد بهذا الحديث أو بحديث في إسناده الربيع بن صبيح، يكون قد استدل بدليل شرعي...

 


د- ومثلاً: روى أحمد قال حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ يَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ» قَالُوا: بَلَى. «فَكَرِهَهُ». ورواه أبو داود بلفظ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاص قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ قَالُوا نَعَمْ، فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ».

 


هذا الحديث صححه الترمذي، وأعله جماعة، منهم الطحاوي والطبري وابن حزم وعبد الحق، بأن في إسناده زيداً أبا عياش وهو مجهول. قال في التلخيص والجواب أن الدارقطني قال إنه ثقة ثبت (يعني زيداً أبا عياش) وقال المنذري: قد روى عنه اثنان ثقتان وقد اعتمده مالك مع شدة نقده. فإذا جعل أحد هذا الحديث دليلاً شرعياً أو استدل بحديث فيه زيد أبو عياش، فإنه يكون قد استدل بدليل شرعي.

 


وعليه فإن قبول الأحاديث أو ردَّها علمٌ لا يصح أن يلجه إلا من هم له بأهل...

 

 

5- ثم هناك أمر أذكره لك، فلعله كان سبب التشويش الذي أصابك في المسألة، وهو ظنك بأن الاقتداء الوارد في "بأيهم اقتديتم اهتديتم" يعني الاستدلال بالقول أو بالفعل أو بالتقرير كما هو بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم، فكبر عليك معها إطلاق الاقتداء بالصحابة، ولعل هذا الظن دفعك للقول "الحديث منكر المتن"!

 


والأمر ليس كذلك، فإن الاقتداء في اللغة له معان مختلفة وسياق الكلام يوضح المقصود. أما الاقتداء بمعناه الاصطلاحي أي الاستدلال بالقول والفعل والتقرير، فهو خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم محل الاقتداء بهذا المعنى، أما المعاني الأخرى البعيدة عن هذا المعنى الاصطلاحي، فيجوز أن تُطلق كأن تقتدي بفلان فتكون مثله، أو تستأنس بفعله، أو تقلده، أو تأتم به، أو ترضى بما رضي... فهذا يمكن أن يطلق على غير الرسول صلى الله عليه وسلم وفق سياق الكلام المتعلق بأولي العلم والنُّهى، وبأصحاب القوة في الحق والتقوى، وبأصحاب الوعي والفطنة والذكاء، أو بأئمة الصلوات.. ونحو ذلك، ومَنْ مثلُ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فهم خير الخلق بعده صلوات الله وسلامه عليه، وخير القرون قرنهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 


جاء في لسان العرب: "الْجَوْهَرِيُّ: الإِمامُ الَّذِي يُقْتَدى بِهِ وَجَمْعُهُ أَيِمَّة...".

 


"والقرآنُ إِمامُ المُسلمين، وسَيدُنا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِمام الأَئِمَّة، وَالْخَلِيفَةُ إِمَامُ الرَّعِيَّةِ، وإِمامُ الجُنْد قَائِدُهُمْ..."

 


"وأَمَمْتُ القومَ فِي الصَّلاة إِمامةً. وأْتمّ بِهِ أَي اقْتَدَى بِهِ."

 


"والأُسْوَةُ والإِسْوَةُ: القُدْوة. وَيُقَالُ: ائْتَسِ بِهِ أَيِ اقتدِ بِهِ وكُنْ مِثْلَهُ. اللَّيْثُ: فُلَانٌ يَأْتَسِي بِفُلَانٍ أَي يَرْضَى لِنَفْسِهِ مَا رَضِيَهُ ويَقْتَدِي بِهِ وَكَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِ."

 


"وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: تَأَسَّى بِهِ اتَّبَعَ فِعْلَهُ وَاقْتَدَى بِهِ"

 


"التَّهْذِيبُ: يُقَالُ فُلَانٌ يَحْتَذِي عَلَى مِثَالِ فُلان إِذا اقْتَدَى بِهِ فِي أَمره."

 


"والقُدوة والقِدوة: الأُسْوة. يُقَالُ: فُلَانٌ قُدْوَة يُقْتَدَى بِهِ. ابْنُ الأَعرابي: القَدْوةُ التقَدُّمُ. يُقَالُ فُلَانٌ لَا يُقادِيه أَحد وَلَا يُماديه أَحد وَلَا يُباريه أَحد وَلَا يُجاريه أَحد، وَذَلِكَ إِذا بَرَّز فِي الخِلال كُلِّهَا."

 


فأنت ترى هنا أن لفظ الاقتداء في غير الاصطلاح يمكن استعماله في الكلام عن الأتقياء الأنقياء لتتشبه بهم أو تستأنس بآرائهم أو تقلدهم في اجتهادهم، أو تأتمّ بهم في الصلوات أو في تسوية الصفوف في الجهاد والرباط...

 

 

6- إن تعريفنا للحسن وهو الذي نراه صواباً ينطبق على الحديث الشريف المذكور... أما سؤالك من هو رزين الذي أخرجه؟ فهو رزين بن معاوية بن عمار، أخرجه في كتابه تجريد الصحاح، كما جاء في سير أعلام النبلاء،(20/ 204) وقد ذكر عنه صاحب سير أعلام النبلاء الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة 748ه، ذكر ما يلي: ما يلي: "129 - رزين بن معاوية بن عمار، الإمام المحدث الشهير، أبو الحسن العبدري الاندلسي السرقسطي، صاحب كتاب " تجريد الصحاح"، جاور بمكة دهرا، وسمع بها " صحيح " البخاري من عيسى بن أبي ذر، و " صحيح " مسلم بن أبي عبدالله الطبري...حدث عنه: قاضي الحرم أبو المظفر محمد بن علي الطبري، والحافظ أبو موسى المديني، والحافظ ابن عساكر، وقال: كان إمام المالكيين بالحرم...توفي بمكة في المحرم سنة خمس وثلاثين وخمس مئة...وبعض ما ذكرناه يكفي بالنسبة لتحسين الحديث، فكيف بما ذكرناه كله؟ وهكذا فإن الحديث عندنا حسن حتى وإن ضعَّفه آخرون، وفق ما بيّناه فيما سبق، وليس بدعاً من القول أن يكون حديث ما موثقاً عند بعضهم وضعيفاً عند الآخرين، ومن ولج هذا العلم من بابه وتدبر معانيه وأدرك مدلولاته، يهدي الله قلبه ويعرف الحق بوضوح وجلاء، والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

 

7- وفي الختام، فها نحن قد أجبناك عن ما أشكل عليك، وعن ما كنت تظنه على غير سواء، وإني لآمل أن يكون هذا الجواب وما سبقه كافياً وافياً... فإن شرح الله صدرك له واهتديت به وزالت الغشاوة... فهذا ما نحب ونبغي، وأما إذا كان الموضوع من باب الأخذ والردّ على غير وجه، أي من باب الجدل والمراء... فلا نحب ذلك، فإن وقتنا محسوب علينا، ونحن مسئولون عنه، ولا يصح أن نضيعه في ما لا طائل تحته من جدل ومراء، والمؤمن الذي يقرأ قوله تعالى (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) يبذل الوسع في الابتعاد عن المراء، فقد جاء في لسان العرب عن المراء: "قَالَ: وأَصله فِي اللُّغَةِ الجِدال وأَن يَستخرج الرجلُ مِنْ مُناظره كَلَامًا وَمَعَانِي الْخُصُومَةِ وَغَيْرِهَا..."، وجاء فيه أيضاً: "ومارَيْتُ الرجلَ ومارَرْتُه إِذا خَالَفْتَهُ وتَلَوَّيْتَ عَلَيْهِ..."، فلا يكون الهدف في المراء معرفة الحق والاهتداء إليه، وإنما الأخذ والرد بغرض الإزعاج و"المناكفة" ونحن في غنى عن ذلك! أخرج الطبراني في الكبير عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ آدَمَ الدِّمَشْقِيِّ، قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو الدَّرْدَاءِ، وأَبُو أُمَامَةَ، ووَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ، وأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالُوا: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يَوْمًا، وَنَحْنُ نَتَمَارَى فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا لَمْ يَغْضَبْ مِثْلَهُ، ثُمَّ انْتَهَرَنَا، فَقَالَ: «مَهْلًا يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا، أَخَذُوا الْمِرَاءَ لِقِلَّةِ خَيْرِهِ»، ثم إن المراء عند الشخص دليل عدم انغماسه في العمل الصالح وتلبسه فيه وانشغاله به...، ولو كان جاداً مجداً مجتهداً في عمله، ينتفع بما هو خير في ليله ونهاره، لما وجد وقتاً للمراء. جاء في كتاب حديث الزهري لمؤلفه: عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف العوفي، الزهري، القرشي، أبو الفضل البغدادي (المتوفى: 381هـ) قال: "أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْفَضْلِ الزُّهْرِيُّ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ، نا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَفْصٍ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ، عَنْ مَنْ حَدَّثَهُ، عَنْ مَالِكٍ يَعْنِي ابْنَ دِينَارٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ الْحَسَنِ، فَسَمِعَ مِرَاءَ قَوْمٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا مَالِكُ، إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مَلُّوا الْعِبَادَةَ، وَبَغَضُوا الْوَرَعَ، وَوَجَدُوا الْكَلَامَ أَخَفَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَمَلِ"، نعم لو كانوا يعملون بصدق وإخلاص لما وجدوا متسعاً للمراء...

 

 

8- وخاتمة الختام أسأل الله سبحانه لنا ولك ولزوار هذه الصفحة وضيوفها وللمسلمين أجمعين الهداية إلى أرشد الأمر، والوقاية من المراء المفضي إلى الشر، وأن ينزع من قلوب المسلمين ما فيها من غِلٍ، بعضهم على بعض، فيكونوا إخواناً على سرر متقابلين (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) وأن يظلنا الله سبحانه في الدنيا بظل راية العقاب راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن يظلنا في الآخرة بظله سبحانه يوم لا ظل إلا ظله، وذلك الفوز العظيم.

 

 

 

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

 

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

رابط الجواب من موقع الأمير


رابط الجواب من صفحة الأمير على الغوغل بلس

 

 

 

 

1 تعليق

  • أبو حامد
    أبو حامد السبت، 29 تشرين الأول/أكتوبر 2016م 16:18 تعليق

    جزاكم الله خيراً كلام موضوعي رائع

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع