الجمعة، 19 رمضان 1445هـ| 2024/03/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جواب سؤال: قمة العشرين في سيول

 

 

  

السؤال:

 

في يومي 11 و 12 /11/2010 عقدت في سيول عاصمة كوريا الجنوبية قمة العشرين تحت شعار "النمو المشترك فيما بعد الأزمة". وكانت المواضيع الرئيسة فيها أسعار العملات والاختلالات التجارية. وقد سبق انعقادها تصريحات أوروبية، وبخاصة من فرنسا، بمحاولة إدخال تغيير على النظام العالمي المالي، وكذلك رافقها شيء من الجدل بين أمريكا والصين حول اليوان... وحول ضخ أمريكا لمليونات الدولارات... فما مدى نجاح أوروبا والصين بالنسبة لكبح جماح أمريكا في السياسة المالية الدولية؟

 

 

الجواب:

 

نعم إن القمة قد سبقها ورافقها امتعاض أوروبي وصيني من (عنجهية) أمريكا المالية، ولكن أمريكا استطاعت أن تخرج من القمة محتفظة (بعنجهيتها) المالية! ولتوضيح هذا الأمر فسنستعرض الأحداث ذات العلاقة:

1- نقلت وكالة رويترز في 12/11/2010 عن مصادر من الوفد الألماني في قمة العشرين "أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد عبرت للرئيس الأمريكي أوباما عن مخاوفها من تحركات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الآونة الأخيرة لضخ السيولة في الاقتصاد الأمريكي. ولكن أوباما أبلغ ميركل خلال اجتماع على هامش قمة العشرين أنه يريد أن يرى مزيدا من الطلب المحلي في ألمانيا". فيظهر من ذلك أن المانيا قلقة من سياسة أمريكا في ضخ الأموال لأن ذلك سيؤثر على قيمة الدولار بحيث يجعلها منخفضة مما يزيد الأعباء على أصحاب اليورو فترتفع قيمته أمام الدولار وبالتالي تصبح أسعار البضائع الأوروبية مرتفعة فيسبب لهم الخسائر المالية والتجارية. وقد ظهر جواب أوباما بأنه غير مكترث بشكوى ميركل، بل قام بالهجوم على ألمانيا مشيرا إلى ضعف الطلب المحلي في الأسواق الألمانية والذي من شأنه أن يؤثر في التصدير الأمريكي لألمانيا ولدول الاتحاد الأوروبي بسبب قلة الاستهلاك فيها لشح الأموال لدى الناس ولتخوفهم من الأوضاع المالية العالمية فلا يقومون بالإنفاق ويعتمدون التوفير، وهذا ظاهر في السوق المحلية الألمانية. وبذلك جاء رد أوباما على تهم ألمانيا بأنها هي المقصرة ويقع عليها الذنب! وقد أضافت وكالة رويترز في خبرها: "أن أمريكا قد تجاهلت الانتقادات أمس (11/11/2010)، وأن أوباما قال أنه يتوقع أن تحدد قمة العشرين آليات لتحقيق نمو اقتصادي عالمي واسع النطاق ومتوازن. وقال: إن بقية مجموعة العشرين تدرك أن النمو الأمريكي مهم للاقتصاد العالمي". مما يدل على أن أمريكا أظهرت سياسة العنجهية والغطرسة في الاقتصاد وأنها غير مكترثة بالعالم بل تمنّ على دوله وشعوبه التي يعاني أغلبها من الفقر والجوع والحرمان بأن نمو اقتصادها ليس مهما، بل المهم لهم هو نمو الاقتصاد الأمريكي وتخمة الشعب الأمريكي، فكأنها تقول ما دامت أمريكا وشعبها بخير فالعالم بخير!

2- والصينيون حاولوا الهجوم على أمريكا بحيث انتقدوا سياسة ضخ الأموال وأظهروا قلقهم البالغ منه كما ورد على لسان مسؤوليهم. وقد ذكر تشانغ تاو مدير الإدارة الدولية ببنك الشعب الصيني للصحافيين على هامش القمة: "ينبغي على الدول التي تتمتع باحتياطات كبيرة أن تضع في الاعتبار التأثير العالمي لسياستها". وحذر قائلا: "إن التدفقات الرأسمالية الداخلة غير المنظمة والناجمة عن تحرك مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يمكن أن تضر الاقتصادات الصاعدة وتشكل خطرا على التعافي الاقتصادي العالمي". (رويترز 12/11/2010) ولكن المسؤولين الأمريكيين هاجموا الصينيين في سياسة عملتهم اليوان واتهموهم بأنهم يبقون عملتهم منخفضة وهذا من شأنه أن يسبب الاختلالات التجارية، فأظهروا كأن المشكلة ليست منهم وإنما هي من الصينيين.

3- لقد جاء البيان الختامي لصالح أمريكا فلم ينتقدها ولم يوجه إليها اللوم على دمار العالم اقتصاديا، فأبعد عنها التهم والضغوطات، وأبقى على النظام المالي العالمي السابق على ما هو، وأبقى على أمريكا ممسكة بزمام الأمور. حتى إن مسؤولا أمريكيا كبيرا طلب عدم ذكر اسمه قال قبل اختتام القمة بساعات: "إن المباحثات مشجعة جدا". وقال: "إن البيان الختامي المتوقع أن يصدر عن القمة سيقلص قليلا من الضغط والتوترات التي شهدناها وسيخيِّب آمال الذين تكهنوا بأن القمة ستنتهي على خلفية انقسامات". وقال: إن البيان الختامي سيكون قريب الشبه من البيان الذي تبناه وزراء المالية نهاية تشرين الأول في كوريا الجنوبية". (أ. ف. ب 12/11/2010) أي أن أمريكا تمكنت من صياغته على نحو يرضيها ولا يحملها مسؤولية استمرار الأزمة المالية العالمية، ويلقي التبعات على كل الدول ويحملها المسؤولية وهذا ما هو ملاحظ في البيان الختامي.

فالبيان الختامي لم يأت بشيء جديد ولم يقدم حلولا وما ورد فيه هو عبارة عن صيغ عامة مثل: "إن الاقتصادات المتقدمة ستوفر الحماية من التقلبات في أسعار الصرف، الأمر الذي سيساعد في تخفيف مخاطر التقلبات الكبيرة في تدفقات رأس المال الذي تواجهه بعض الاقتصاديات الناشئة". وهذه الصيغة لصالح أمريكا التي توجد التدفقات المالية بضخها مئات المليارات من الدولارات في الأسواق. فكأنه يقول أن الاقتصاد الأمريكي لكونه متقدما فهو قادر على أن يوفر الحماية من التقلبات في أسعار الصرف وهو سيساعد في تخفيف مخاطر التقلبات الكبيرة الناجمة عن ضخ الأموال في الأسواق وهي السياسة التي تطبقها منذ ظهور الأزمة عام 2008 حيث طبعت وضخت تريليونات الدولارات في الأسواق. وورد في البيان: "إن الاجراءات التي ستتألف من مجموعة من الإرشادات ستساعد في الأوقات المناسبة في تحديد الاختلالات التي تتطلب اتخاذ إجراءات وقائية صحيحة". وورد فيه: "إن الوزراء سيعملون مع صندوق النقد الدولي على أخذ الإرشادات بعين الاعتبار على أن تتم مناقشة ما يتم اتخاذه خلال النصف الأول من العام القادم". وقد وردت الانتقادات أثناء إعداد مسودة البيان بأن "المجموعة أي مجموعة العشرين لم تقرر تحديد هذه الإرشادات لا نوعا ولا كمّاً؛ أي بقيت دون توضيح كاف".

4- يتبين من ذلك، أن القمة لم تغير شيئا من النظام المالي العالمي كما كان يطالب به بعضهم وعلى رأسهم فرنسا، ولم تلبِّ طلبات المستائين من التصرفات الأمريكية وأنهم لم يقدروا أن يزحزحوها عن موقفها، ولم يستطيعوا أن يدينوا مواقفها ويشكلوا رأيا عاما عالميا ضد تصرفاتها المستبدة في الاقتصاد والتي وصلت إلى وضع العنجهية كما كانت على عهد بوش الابن في السياسة، ولكن هنا تجلت عنجهيتها في الاقتصاد والمال. فإذا طبعت الورقة المالية التي لا تساوي ثمن الحبر الأخضر المصبوغ به واشترت سندات خزينتها التي بدأت تكسد وأظهرت أنها خففت من مديونتها ونشطت سوقها واشترت به ثروات العالم بلا مقابل، اللهم إلا تحت اسم هذه الورقة الخضراء فلا يحق لأحد أن يلومها، بل يحق لها أن تفعل ذلك فيما لا يحق للآخرين أن يفعلوا ذلك! كما نرى كيف كَبَّل الأوروبيون أنفسهم فلا يستطيعون أن يتجاوزوا الحد في طباعة عملتهم لقيود معينة. وقد استطاعت أمريكا أن تحمي نفسها من الانتقادات بل من الهجمات عليها بسبب سياسة ضخ الأموال. وعلى ما يظهر أن أمريكا أرادت من هذا المؤتمر أن تحمي نفسها من الانتقادات وتمنع صدور بيان ينتقدها وبالتالي تمنع تشكيل رأي عام عالمي ضد سياستها المالية التي تسبب الأزمات العالمية، وأفشلت الدعاوى بتغيير النظام النقدي العالمي، وأكدت على استمرارية النظام السابق الممتد من قمة بريتون وودز عام 1944 حتى اليوم. وذلك باستمرار الدولار عملة عالمية وباستمرار دور صندوق النقد الدولي، وأعطت لنفسها الحق في طبع الدولار كما يحلو لها وبمقدار ما تريد بدون وجود رادع يردعها. وبذلك استطاعت أمريكا أن تحافط على مركزها العالمي كدولة أولى، لها السلطة وهي صاحبة الكلمة وهي تمسك بزمام الأمور في العالم!

5- وأما الآخرون؛ فقد استطاعت الصين أن تبعد الضغوط عليها لإعادة تقويم سريع لسعر عملتها وقبلت أن يكون ذلك على مراحل. وكان الأوروبيون هم الخاسر الأكبر فلم يستطيعوا أن يغيروا شيئا في النظام النقدي العالمي كما يهدفون، ولم يستطيعوا أن يُدينوا أمريكا بسبب سياسة ضخ الأموال وتخفيض قيمة العملة، ولم يستطيعوا أن يوجدوا رأيا مضادا لها. وبذلك فإنه من غير المحتمل أن يقدر ساركوزي على أن يحدث شيئا يذكر أثناء ترؤسه لقمة العشرين التي استلمها في هذه القمة لمدة عام، بينما هو يدعو لتغيير نظام النقد العالمي. فالإرشادات التي طلبت القمة وضعها؛ فإنها، كما جاء في البيان، ستأخذ نحو نصف سنة من النقاش بين وزراء المال والتجارة وبين صندوق النقد الدولي حتى يتم إنجازها. ثم ستأخذ وقتاً آخر غير محدد لتطبيقها والعمل بها، وكذلك فإن مدى نجاعتها هو أمر غير معروف، وربما تستمر الأمور تراوح مكانها حتى القمة القادمة لمجموعة العشرين التي ستعقد في شهر تشرين الثاني من العام القادم!

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع